إليها البابا؛ وقد احتفظ بها في قصر دوريا بامفيلي، حيث حكم رينولزجين رآها بأنها "أبدع صورة في روما"(٢٨). وحين يتطلع المرء إليها اليوم يشعر بأن فيها قوة، سواء في الشخصية أو في الفن، تضعها مع لوحة "يوليوس الثالث" لتتسيانو، في مصاف أروع الصور في جميع العصور. وكان إنوسنت العاشر في السادسة والسبعين حين جلس إلى صورته تلك، وقد مات بعدها بخمس سنين. وقد يخطئه الناظر فيحسبه أحد كبار قطاع الطرق الذين كدروا صفو كثير من البابوات، لولا ثوب البابوية وخاتمها، ولكنا حين ندرس تلك الملامح القاسية الحازمة ندرك أن إنوسنت كان ما يجب أن يكون - حاكماً يحكم دولة من الإيطاليين المتمردين، وحبر يقود كنيسة من المسيحيين غير المتحذلقين بخلق المسيحية، المنتشرين من روما إلى الفلبين، ومن روما إلى براجواي، ولقد كان عليه أن يضع حديداً في دمه، وفولاذاً في عينيه، وجبروتاً في طلعته، وقد رآها كلها فيلاسكويز ثم سجلها على لوحته. وحين رأى البابا الصورة علق عليها تعليقاً ساخراً واحداً:"إنها صادقة جداً! "(٢٩) واعترف فنانو روما بتكوينها المتماسك، والانسجام العجيب بين ألوانها الحمراء والبيضاء والذهبية، والنظرة الشكاكة الفاحصة الجانبية تنبعث من عينين رماديتين زرقاوين، وحتى اليدين المنبئتين بقوة الشخصية. وحين رحل فيلاسكويز عن إيطاليا (يونيو ١٦٥١)، لم يعد طالباً يلتمس أئمة الفن القدامىـ، بل إمام فن العصر غير منازع. ذلك ان روبنز كان قد طواه الموت، وما كان لأحد أن يحلم بأن هولندياً مغموراً، أثقلت كاهله الديون وازمع على الاعتكاف بعد قليل في مغارة بامستردام، سيبعث من قبره بعد قرون لينازعه تلك السيادة.
فلما عاد فيلاسكويز إلى مدريد اقترف أفدح خطأ في حياته، ذلك أنه التمس ونال وظيفة "مدير للقصر الملكي"، ولعله سئم التصوير، أو لعله أحس أنه بلغ غاية إمكاناته في ذلك الميدان. ولم تكن الوظيفة تشريفاً، فقد تطلبت منه الإشراف الشخصي على القصر، على أثاثه