الصمت إزاء ما يصدر له منها من حديث، ومن هذه المرات أربع وعشرون مرة كان الملك فيها مأخوذاً بالقصة التي يرويها له الخفاش الجارح حتى ليسهو ويجيب عن السؤال الذي يوجَّه إليه في الختام؛ فيالها من مشنقة بارعة أنزل منها الماتب أكثر من عشرين قصة.
لكنا في الوقت نفسه لا نقول لأن الهند قد عَدِمَتْ الشعراء الذين يقرضون الشعر بمعنى الكلمة التي نفهمها نحن؛ فأبو الفضل يصف لنا "آلاف الشعراء" في بلاط "أكبر"؛ وكان منهم مئات في صغرى العواصم، ولا شك أن كل بيت كان يحتوي منهم على عشرات (١). ومن أقدم الشعراء وأعظمهم "بهارتريهاري" وهو راهب ونحويٌّ وعاشق، غذَّى نفسه بألوان الغزل قبل أن يرتمي في أحضان الدين، ولقد خلَّف لنا مُدوَّناً بها من كتابه المسمى "قرن من الحب"- وهو سلسلة من مائة قصيدة تتابع على نحو ما تتابع القصائد عند "هيني"، ومما كتبه لإحدى معشوقاته:"ظنَنَّا معاً قبل اليوم أنكِ كنتِ إياي، وكنتُ أنا إياكِ؛ فكيف حدث الآن أن أصبحت أنتِ، هو أنتِ وأنا هو أنا"؛ ولم يكن يأبه لرجال النقد قائلاً لهم:"إنه من العسير أن تُقْنع خبيراً، لكن "الخالق نفسه" لا يستطيع أن يرضي رجلاً ليس له من المعرفة إلا نزر يسير"؛ وفي كتاب "جيتا- جوفندا" لصاحبه "جاياديفا"، - وعنوان الكتاب معناه "أنشودة قطيع البقر المقدس"- يتحول غَزَل الهندي إلى دين، ويصبغ ذلك الغزل بصبغته الحب الجسدي
(١) في ذلك الحين اتجه الشعر إلى أن يكون أقل موضوعية منه في أيام الملاحم، وازداد إقبالاً على المزاوجة في نسيجه بين الدين والحب؛ والوزن الذي كان مطلقاً في الملاحم، يختلف في طول البيت الواحد، ولا يتطلب اطراداً في المقاطع الأربعة أو الخمسة الأخيرة من البيت، قد أصبح الآن أدق التزاماً للقاعدة أو أكثر تنوعاً في آن واحد؛ ودخلت آلاف القواعد المعقدة في العروض، التي تختفي في الترجمة: وكثرت أساليب الصناعة في صياغة العبارة وفي ألفاظها، وظهرت القافية، لا في نهاية البيت فحسب، بل كثيراً ما التزموها في أواسط الأبيات كذلك؛ وسنت قواعد صارمة لفن الشعر وازدادات الصورة دقة كلما هزل المعنى