في تأثيرها على مجرى الأفكار في فرنسا. هنا دخلت الفلسفة ساحة الوغى مرة أخرى. ففي عام ١٥٧٩ أصدر مؤلف غير معروف الاسم- ربما كان فليب دوبليسي- مورنيه- أحد مستشاري نافار-من بازل بياناً مثيراً سماه «دفاع (عن حقوق الشعب) ضد الطغاة». كتبه باللاتينية، ولكن سرعان ما ترجم إلى اللغات القومية. وقد دام أثره قرناً كاملاً واستخدمه الهيجونوت في فرنسا، والهولنديون ضد فيلب، والبيورتان ضد تشارلز الأول، والوجز تبريرا لعزلهم جيمس الثاني. واتخذت النظرية القديمة، نظرية «العقد الاجتماعي» الضمني المبرم بين الشعب وحاكمه، شكلاً محدداً في هذا الكتاب، وسنشهدها مرة أخرى في هوبز، ولوك، وروسو. فالحكومة أولاً هي ميثاق بين الله، والشعب، والملك، لدعم «الدين الحق» والامتثال له-وهو البروتستنتية في هذه الحالة، وأي ملك يقصر في هذا يحل عزله-والحكومة ثانياً هي ميثاق بين الملك والشعب، الأول ليحكم بالعدل، والثاني ليطيع مسالماً. والملك والشعب على السواء خاضعان للقانون الطبيعي. أي قانون العقل والعدالة الطبيعية، الذي يمثل القانون الأدبي الإلهي، ويعلو على كل قانون «وضعي»(أي من صنع الإنسان). أما وظيفة الملك فصيانة القانون الوضعي والطبيعي والإلهي، فهو اداة القانون لا سيده. «والرعايا … بوصفهم هيئة، يجب اعتبارهم سادة المملكة وأصحابها المطلقين» ولكن من الذي يقرر أن الملك طاغية؟ لا الشعب في جمهوره، «ذلك الوحش الكثير الرؤوس»، بل ليقرر ذلك القضتة، أو مجلس كمجلس الطبقات الفرنسي مثلا. ولا يصح أن يتبع كل فرد خاص ضميره، فقد يحسب هواته ضميره، وهنا تأتي الفوضى، ولكن إذا دعاه القاضي للعصيان المسلح فعليه أن يلبي الدعوة. على أنه يحل قتل الطاغية بيد أي إنسان إذا كان مغتصباً (٤).
واشتد صراع القوى والأفكار بعد أن مات دوق ألينسون (١٥٨٤)