اليوم نهاية لحياته. وفي العصر قرر أن يخرج في نزهة بعربته، وأن يزور صلى المريض، ويستمتع بـ «نسمة هواء». وتفادياً لانتباه الناس صرف حرسه، ولكن كان يرافقه سبعة من الحاشية. واقتفى رافاياك أثر العربة وكان يراقب اللوفر. وعند نقطة في شارع فيرونيري وقفت العربة لتشابك في المرور. وهنا قفز رافاياك على سلمها وطعن الملك طعنة نجلاء من عنفها أن السلاح اخترق قلبه. فمات هنري للتو تقريباً.
وتحمل رافاياك وزر جريمته كاملاً حين عذب، وأنكر أن له محرضين أو شركاء، وأسف على عنف فعلته، ولكنه صرح بثقته بأن الله غافرها كما يغفر للمذنبين في سبيل قضية مقدسة. ومزقت أربعة جياد أوصاله، وأحرق جذعه في ميدان عام. واتهم الكثير من اليسوعيين بأنهم ألهبوا عقل القاتل، وقيل إن كتاب ماريانا عن الملكية «دي ريجي»«الذي يبرر قتل الطغاة» كان يباع علناً في حوانيت باريس. ورد اليسوعيون بأن هذا الكتاب شجبة صراحة مجمع اليسوعيين عقد بباريس عام ١٦٠٦. وحكمت السوربون على اليسوعيين بأنهم مسئولون عن التعاليم الخطرة وأحرقت كتاب ماريانا رسمياً (٤٢). أما ماري مديسي فقد حمت اليسوعيين من الأذى بصفتها وصية، وقبلت ارشادهم في الإيمان والسياسة.
وأصاب فرنسا الاضطراب والفرقة لمشروع هنري الأخير وموته المفاجئ. وارتضت قلة هذا الاغتيال على أنه عمل إلهي في سبيل الدفاع عن الكنيسة. ولكن الكثرة العظمى، من الكاثوليك والبروتستنت على السواء، ناجت على ملك رجحت جهوده من أجل شعبه أخطاءه وحماقته وذنوبه رجحاناً كبيراً. ولم يكن قد غاب من ذاكرة الفرنسيين كل ما أورثه مع العرش من فقر وخراب، ومن اضطراب ديني، ومن فساد وعجز حكوميين؛ لقد رأوا الآن أمة نظيفة منظمة، غنية برغم الضرائب المرتفعة، لها من القوة ما يتيح لها أن تتحدى السيادة الأسبانية الطويلة. وذكروا في حنين ما طبع هنري من بساطة في الملبس والمسلك والحديث،