للحكومة. وقد أعفى النبلاء ورجال الدين من الضرائب الهامة، ووجد مهرة رجال الأعمال وثروات الموظفين المختزنة السبيل للتهرب من الجباة أو استرضائهم، أما المدن فكانت تدفع مبلغاً صغيراً لتنجو من فرصة الرؤوس، ووقعت وطأة الضرائب على طبقة الفلاحين التي قصدها ريشليو وحتى الفاقة ليجعل من فرنسا أقوى دوراً في العالم المسيحي. وكان كهنري الرابع يؤثر أن يقهر أعداءه بالمال لا بالدم، وكثير من المعاهدات التي خاض بها الحرب تضمن إعانات مالية للحلفاء ورشا للأعداء المحتملين. وكان أحياناً يقرض الخزانة من جيبه الخاص إذ أعوزه تدبير المال، ومرة أستأجر أحد المشتغلين بالكيمياء القديمة ليصنع الذهب (٢٥). وتضافر نظام الضرائب، والسحرة الحكومية على الطرق، مع الجفاف والمجاعة والطاعون وغارات الجنود، لتدفع الفلاحين إلى حال من اليأس تقرب من الانتحار، حتى لقد قتل عدد منهم أسرهم وأنفسهم، وقتلت الأمهات الجائعات أطفالهن وأكلتهم (١٦٣٩)(٢٦). وفي عام ١٦٣٤، في رواية ربما بولغ فيها، كان ربع سكان باريس يتسولون (٢٧). وكان الفقراء ينتفضون في فترات دورية وأوقات متفرقة انتفاضات قمعت في غير رحمة.
واستخدم ريشليو الضرائب لبناء الجيوش والأسطول؛ ذلك أن الحق في رأيه لا يجد إذناً صاغية إلا إذا تكلم بالمدفع. ولما اشترى منصب الأميرال لاكير، قام بواجباته بعزيمة ماضية. فأصلح الموانئ وحصنها، وأنشأ الترسانات ومخازن الذخيرة في الثغور، وبنى خمساً وثمانين سفينة، وأسس مدارس لمرشدي السفن. ودرب أفواج الجنود البحريين. وجند مائة فوج من المشاة، وثلاثمائة جندي من الخيالة؛ ورد النظام إلى الجيش. ولم يخفق غلا في جهوده لاقصاء مومسات الجيش. وبفضل هذه القوات الحربية التي بث فيها الحياة من جديد تصدى لفوضى العلاقات الخارجية التي خلفتها وصاية ماري مديسي، وعاد إلى سياسة هنري الرابع، ووجه كل قواته لهدف واحد-هو تحرير فرنسا من نطاق القوة الهابسبورجية