جيداً، وكان يحاول في ذلك الوقت إصلاح النثر. ولكن الأوتيل دارمبوييه احتضنه، واعتنقت الأكاديمية مبادئه. وورثها بوالو أساساً للأسلوب الكلاسيكي، وقد أصبحت مدى قرنين قميصاً مقدساً صارماً من شعر وزرد يلبسه شعراء فرنسا الغنائيون. وانتفخ ماليرب في شيخوخته حتى أصبح إماماً حقيقياً للشعر، وحجة يستفتى في مسائل اللغة والاسلوب؛ وحياه بعض المعجبين بوصفه «أبلغ إنسان في جميع العصور». وقد وافق على أن «ما يكتبه ماليرب سيخلد إلى الابد (١٢٨)». وحين كان على فراش الموت (١٦٢٨) أيقظ نفسه من غيبوبته الاخيرة ليوبخ ممرضته على استعمالها فرنسية غير سليمة (١٢٩).
أما ماتوران رينييه فقد رأى فيه شاعراً مملاً، وتجاهل قواعده، وأطلق الشعر كما أطلقه فيون بخارا مندفعاً من حر المواخير. هذا الرجل الذي نذر للقسوسية ضيع نفسه في فينوسبرج حتى شاخ، وشاب قرناه وهو بعد في شرخ شبابه. ففي الحادية والثلاثين عجزه النقرس والزهري. وكان لا يزال يجد «كل امرأة تروقني»، ولكنهن كن أكثر منه تأنقاً في الاختيار. وقد كتب بعضاً من أقوى الشعر في اللغة، فيه حديث مستهتر عن الجنس، وهجو وحشي، ومباراة مع هوراس في الشكل ومع دوفينال في المرارة، وحركة تزخر بالأشخاص أو الأماكن بما يحس أو يرى. وقد هزأ بصفائية «المتحذلقات» اللغوية وصرامة ماليرب الكلاسيكية، وبدا له أن الحرارة المشبوبة من شعلة باطنة أهم للشعر من التمسك بأصول النحو والبلاغة والعروض. هنا في فجر العصر الكلاسيكي نشطت الرومانسية. حتى العلم والفلسفة نالا منه ما يستحقان من قصاص وتوبيخ على تبجحاتهما:
«أيها الفلاسفة الحالمون، تكلموا في استعلاء، وحلقوا في النجوم وأنتم لا تتحركون من الارض، واجعلوا السماوات كلها ترقص على لحنكم، وزنوا أحاديثكم في ميزانها … واحملوا مصباحاً في زوايا الطبيعة … واعرفوا من يعطي الزهور هذا اللون البديع … وحلوا ألغاز الأرض