وفي نفس الوقت استخدم التجار الهولنديون أموالهم في بناء السفن، لأن كل انتصار في البحر كان يعني توسيع مجال التجارة. وفي عام ١٦٢٨ أسر أسطول هولندي صغير تحت إمرة بيبت هين أسطولاً أسبانياً كان يحمل الذهب من المكسيك. وهاجم أسطول هولندي آخر قوة أسبانية مكونة من ١٣ سفينة في نهر سلاك، فدمرها وأسر ٥٠٠٠ رجل (١٦٣١). ولكن أروع هذه الانتصارات البحرية هي المعركة التي خاضها قائممقام أمير البحر مارتن هاربوتزون ترومب في القنال الإنجليزي (بين دوفروديل) وكان الأسبان قد عقدوا العزم على استعادة السيطرة على ثغور الأراضي الوطيئة من الهولنديين. فأعدوا أسطولاً ضخماً جديداً من ٧٧ سفينة عليها ٢٤ ألف رجل فلما أبصر به ترومب في القنال، وأرسل في طلب المدد، وفي ٢١ أكتوبر ١٦٣٩ أبحر ومعه ٧٥ سفينة حتى صار على مقربة من مواقع العدو، فأغرق أو أعطب أو أسر كل الأسطول الأسباني فيما عدا سبع سفن. وقتل ١٥ ألفا من الملاحين الأسبان في المعركة أو أغرقوا. وتحتل معركة القنال الإنجليزي في تاريخ هولندا نفس المكانة التي تحتلها هزيمة الأرمادا (١٥٨٨) في تاريخ إنجلترا. فقد وضعت حداً لكل دعاوى أسبانيا في السيادة على البحار، وقطعت شريان الحياة بين أسبانيا ومستعمراتها، وأسهمت مع أنصار فرنسا على أسبانيا في معركة روكروا (١٦٤٣) واختتمت الحقبة التي هيمنت فيها أسبانيا على أوربا.
مذ انهمكت أسبانيا انهماكاً تاماً في حرب الثلاثين عاماً فإنها قررت أن تنزل للهولنديين عن كل شيء، حتى تتفرغ للحرب مع فرنسا. وفي مونستر في ٣٠ يناير ١٦٤٨ وقع المندوبين الأسبان معاهدة وستفاليا التي أنهت ثمانين عاماً من الحرب في الأراضي الوطيئة. وأعلن أن المقاطعات المتحدة غير متقيدة بأي رباط مع أسبانيا. وتم الاعتراف بفتوحاتها. ولا تصل تجارة الراين إلى بحر الشمال إلا عن طريق الثغور الهولندية وحدها. وخول التجار الهولنديون حرية التجارة في جزر الهند الشرقية والغربية. وهكذا انتهى أطول وأشجع وأقسى صراع من أجل الحرية في التاريخ بأسره.