أن الجيوش الأسبانية انتصرت في الجنوب، واندحرت في الشمال نتيجة الأنهار المعترضة والثورة الهولندية؟
لابد أن أنتورب كانت جميلة عندما أكتمل صرح كاتدرائيتها بأبراجها وواجهاتها وفنها الزخرفي، على حين على حين على مقربة منها ضجت البورصة بكل حيوية التجارة وحيلها، ورقصت المياه بكل سفن العالم. ولكن الحرب اندلعت بعد ذلك، فإن ضراوة دوق ألفا ومحاكم التفتيش أخرجت الصناع الهرة والتجار البروتستانت إلى هولندة ألمانيا وإنجلترا، وصرامة الكلفنية أتلفت الكنائس، وعنف الأسبان نهب البيوت وأحرق القصور، كما أن ضراوة فرنسا أفرغت عجزها في الدماء، والحصار الذي ضربه فانز لمدة أربعة عشر شهراً أمات الكاثوليك والبروتستانت جوعاً على حد سواء. وأخيراً انضم الكاثوليك إلى البروتستانت في الخروج من المدينة، وانتقلت تجارة أنتورب إلى أمستردام وروتردام وهارلم وهمبرج ولندن وروان.
ولكن وحشية الإنسان متقطعة، وسهلة التكيف عنده باقية. وقد يكون لنا بعض السلوى في أن نتبع كيف أن بعض الأمم والمدن استطاعت بسرعة أن تنهض من دمار الحرب ووبالاتها. وتلك كانت حال الفلاندرز بعد ١٥٧٩. بقيت صناعة النسيج، وظل الطلب كبيراً على المخرمات الفلمنكية، وظلت الأمطار يحي الأرض وأضفى كدح الناس البهاء والفخامة على الحاشية. واستمتعت أنتورب وبروكسل، تحت حكم الأدواق الذين أحبوا حياة الترف ولكن مع روح إنسانية، ببعث ونشور جديرين بالذكر. وعادت الفلاندرز إلى كاتدرائياتها وأعيادها الدينية ومهرجاناتها الوثنية. وربما بالغ روبنز في هذا في "مهرجان اللوفر العاصف" ولكن استمع أيها القارئ إلى تقرير الكاردينال أنفانت فرديناند، من أنتورب إلى فيليب الرابع ١٦٣٩: "أقاموا بالأمس احتفالهم الكبير … أنتقل موكب طويل إلى الريف مع عربات كثيرة تحف بها مظاهر النصر. وبعد العرض هرع الناس إلى الطعام والشراب، حتى شمل الجميع آخر الأمر، وبدون هذا لا يعتبرون أنه احتفال