ولا يزال، كما وصفه روبنز، أعظم مصوري الحيوان. لم ينافسه أحد في روعة تظليل فراء الحيوان أو ريش الطير.
وعاد أدريان بروور Brouwr إلى فلاحي بروجل، فأبدعت فرشاته تصويرهم وهم يأكلون، ويشربون، ويغنون، ويرقصون، ويلعبون الورق، والنرد، ويقاتلون أو يعربدون في احتفال صاخب، أو يغطون في النوم. ومر أدريان نفسه بأطوار كثيرة في حياته التي لم تتعد اثنين وثلاثين عاماً، فإنه درس مع هالس لفترة وجيزة؛ وفي سن الواحدة والعشرين أصبح أستاذاً مسجلاً في نقابة الرسامين في أنتورب، وكان ينفق أكثر مما يحتمل دخله، وسرعان ما غرق في الديون، وأودعه الأسبان السجن لأسباب غير معروفة الآن، ولكنه كان يحيا فيه مترفه، ثم استرد حريته وسدد ديونه بفضل صور صغيرة، زاخرة بالحياة ممتازة فنياً من ناحية الرسم الحسي وحركة الضوء الرقيقة، إلى حد أن روننز ابتاع منها سبعة عشرة رسماً، ورميرانت ثمانية، ولا يبدو فلاحوه سعداء قط إلا إذا ثملوا بالنبع القوي أو الخمور الرخيصة، على أن بروور آثر فلاحاً يغني مع كأسه على أمير منافق يرفل في الحرير، وفي سن الثانية والثلاثين عثر عليه وقد فارق الحياة خارج باب إحدى الحانات.
وكان جاكوب جوردانز أكثر وقاراً واتزاناً، نقش في إحدى لوحاته "تحذيراً للظمأ": "إن أشبه شيء بالجنون هو الخمور". واختار أن يرسم رجالاً يستطيعون احتساء الخمر دون هذيان أو خبل، ونساء يرفلن في حفيف الحرير في إجلال وعظمة. ولد جاكوب في ١٥٩٣ وعمر حتى الخامسة والثمانين مع كمال الوعي والإدراك. ورسم لنا شخصه في لوحة "الفنان وأسرته"(٤)، رجل منتصب القامة. واثقاً بنفسه، رشيقاً، ثرياً، يمسك بمزهر، وزوجته مطمئنة في الطوق المكشكش الخانق حول رقبتها، وابنة لطيفة بدأت لتوها ريعان شبابها كما تبدأ تتفتح أزهار الغلاندرز، وبنتاً صغيرة سعيدة بالبيت الهادئ والمذهب المريح أنظر إلى الصليب المتدلي على صدرها. وتحول جوردانز إلى البروتستانتية، ولكن في سن الثانية والستين. ورسم عدة لوحات دينية،