للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي ١٦٤٤ أحست كريستينا، وهي الآن في ربيعها الثامن عشر، أنها قادرة على حكم هذه الأمة الشديدة الحساسية النابضة بالحياة، والتي بلغ عدد سكانها المليون ونصف المليون من الأنفس. والحق أنها تحلت بكل قدرات ومواهب رجل ذكي مبكر النضج. وقالت هي عن نفسها: "خرجت إلى الحياة وكل سلاحي شعري، وكان صوتي قوياً خشناً، مما جعل النساء يفكرن أني صبي، وعبرن عن فرحتهن بهتافات ظللت الملك في أول الأمر (١١) ". وقابل جوستاف نبأ اكتشاف أنها أنثى في رجولة مهذبة، وأحبها حباً عميقاً حتى بدا أنه راض عن أن تكون هي وريثة سلطانه وعرشه. على حين أن أمها ماريا الينورا أوف براندنبرج لم تغفر لها قط كونها أنثى. وربما أسهم استياء الأم في أن كريستينا صارت أكثر شبهاً بالرجل قدر ما كان يسمح لها جسمها وتكوينها بذلك، فأهملت شخصها عن عمد، واحتقرت التزين، وأقسمت كما يقسم الرجال، وأحبت أن تتربى بزيهم، واعتادت على ألعابهم، وركبت منفرجة الساقين بأقصى سرعة، واصطادت في تهور واندفاع، وجندلت فريستها من أول طلقة. ولكنها كانت تقول: لم لأقتل مرة حيواناً إلا وأحسست بالشفقة نحوه (١٢) ".

وعلى الرغم من هذا كله، تجلت في كرستينا بعض مفاتن النساء. وفي ١٦٥٣ كتب بيرهيوت الذي أصبح فيما بعد أسقف آفرانش يقول: "وجهها دقيق جميل، وشعرها ذهبي وعيناها براقتان … يرتسم التواضع على وجهها، ويبدو عندما تحمر وجنتاها خجلاً لدى سماعها أية لفظة نابية (١٣) ". وقال قسيس الاعتراف الجزويتي لدى السفير الأسباني: "ولم تكن تطيق فكرة الزواج، لأنها ولدت حرة طليقة، ولسوف تموت حرة طليقة كذلك (١٤) ". ويبدو أنها كانت تحس أن الاتصال الجنسي ليس بالنسبة للمرأة إلا ضربا من المذلة والهوان. ولا ريب في أنها أدركت-كما أدركت اليزابث ملكة إنجلترا، أن زوجها لابد أن يطمع في أن يكون ملكاً. وكانت تعي أخطاءها بشمل بالغ الحساسية وتعترف بها في شجاعة وجرأة". كنت قليلة الثقة بالناس،