توفر الأرض الغذاء لهذه الملايين في سهولة ويسر، ولولا أن الفلاحة الطائشة المهملة أنهكت المزرعة تلو الأخرى، فانتقل الفلاحون إلى أرض أقوى وأخصب.
ويبدو أن هذه النزعة إلى الهجرة أسهمت في نشأة الرقيق. ذلك أن معظم المستأجرين كانوا يحصلون من النبلاء ملاك الأرض على سلفيات لتنظيف المزرعة وتجهيزها بالأدوات وإعدادها للزرع. وكانوا يدفعون على هذه القروض نحو ٢٠% (٤٠)، فلما عجز الكثير منهم عن سداد ما اقترضوا صاروا أرقاء لهؤلاء الملاك. لأن قانونا صدر في ١٤٩٧ نص على أن يكون المدين المقصر في الدفع عبداً لدائنه حتى يوفي الدين. وتفادياً لهذه العبودية هرب بعض الفلاحين إلى معسكرات القوازق في الجنوب. وحصل بعضهم على حريته بالموافقة على استصلاح أراضي جديدة غير ممهدة. وبهذه الطريقة استوطنت سيبيريا، وهاجر بعضهم إلى المدن حيث اشتغلوا ببعض الحرف، أو اشتغلوا في المناجم أو صناعة المعادن أو صناعة الذخيرة، أو خدموا التجار، أو تجولوا في الشوارع يبيعون السلع. وشكا الملاك من أن هجرة المستأجرين عن المزارع- دون دفع ديونهم عادة- قد عوقت الإنتاج الزراعي؛ وجعلت من المتعذر على الملاك دفع الضرائب المتزايدة التي تطلبها الدولة. وفي ١٥٨١ وضماناً لاستمرار زرع الأرض؛ حرم إيفان الرهيب على المستأجرين لدى طبقة الأوبرشنيكي- رجال الإدارة- أن يتركوا المزارع دون موافقة الملاك؛ وعلى الرغم من أن هذه الطبقة كانت تفقد الآن مركزها الممتاز شيئاً فشيئاً. فقد بقي الرقيق الذي نشأ بهذه الطريقة يعمل في ضياعها. وسرعان ما طلب النبلاء ورجال الدين الذين تملكوا الجزء الأكبر من أرض روسيا؛ مستأجريهم بهذا. فكان الفلاحون الروس في الحقيقة؛ إن لم يكن بمقتضى القانون؛ أرقاء مرتبطين بالأرض (٤١).
وكانت روسيا لا تزال لاصقة بالهمجية. فالسلوك فظ غليظ؛ والنظافة ترف نادر؛ والأمية امتياز طبقي؛ والتعليم بدائي، والأدب في معظمه حوليات