العقل المستنير أن يحتقر صاحبه عادة الدفن المسيحي. وأن يدفن الميت دون مساعدة من قسيس .... وبغير صليب". وفي تقدير أحد الوعاظ في ١٥٦٧ "أن الألوف وعشرات الألوف في المدن-أجل، بل في القرى- لم يعودوا يؤمنون بالله (٧)". فلما خشي الإمبراطور فرديناند انهيار الدعم الديني للحكومة النمساوية وسلطة آل هبسبرج. دعا بطرس كانيسيوس وغيره من اليسوعيين إلى جامعة فيينا. وبدأت الكاثوليكية تستعيد مكانتها بفضل زعامتهم، لأن هؤلاء الرجال المتمرسين جمعوا بين العقل المرهف الصابر، وبساطة العيش التي وقعت أفضل موقع في النفوس. فما وافى عام ١٥٩٨ حتى غدت كنيسة روما سيدة الموقف.
ومثل هذا التغيير طرأ على المجر المسيحية. فقد دان ثلثا المجر للحكم التركي منذ ١٥٢٦، وكانت الحدود التركية تبعد عن فيينا بأقل من مائة ميل، ولم يقوَ الأباطرة على المحافظة على السلام مع تركيا إلا بدفع جزية سنوية للسلاطين حتى عام ١٦٠٦ .. وكانت ترانسلفانيا الواقعة إلى الشمال الشرقي من المجر التركية تؤدي مثل هذه الجزية، ولكن حدث في عام ١٦٠٦ أن أوصى أميرها ستيفن بوكسكاي بالإقليم لآل هبسبرج قبيل موته دون عقب.
أما ديت المجر النمساوية فكان منذ ١٥٢٦ يؤيد حركة الإصلاح البروتستانتي، فقد هيمن عليه النبلاء على أملاك الكنيسة الكاثوليكية (٨). وفي ظل الحرية الدينية التي صانوها ظفرت البروتستانتية بمكان السيادة بين الطبقات المتعلمة. ولكن سرعان ما انقسمت شيعاً لوثرية، وكلفنية، وتوحيدية، وتفرق التوحيديون مللاً أصغر لاختلافهم على صواب توجيه الصلوات إلى المسيح. ولم يرَ النبلاء بعد أن استتب لهم الأمر في ممتلكاتهم مبرراً بعد ذلك للبروتستانتية. لذلك رحبوا ببطرس بازماني وغيره من اليسوعيين، وقبلوا التحول "المثالي" إلى الكاثوليكية، وطردوا "الرعاة" البروتستانت (٩). واستبدلوا بهم القساوسة الكاثوليك، وفي عام ١٦١٨ أصبح فرديناند أرشيدوق