كيرشر علم الأنسجة العضوية بكتابه الذي وصف فيه (١٦٤٦) الديدان المتناهية الصغر التي وجدها مجهره (الميكروسكوب) في المواد المتعفنة. أن الاعتقاد بتوالد الكائنات الدقيقة توالداً تلقائياً من اللحم المتعفن أو الفاسد، أو حتى من الصين، كاد يكون سائداً تماماً، ولو أن هارفي كان على وشك أن يدحضه في كتابهِ "توالد الحيوان"(١٦٥١). وكان علم الحيوان متخلفاً، لأن نفراً قليلاً من المفكرين رأوا الأجداد العليا للحيوان كما رأوهم في الإنسان ولكن في ١٦٣٢ كتب جاليليو إلى دوق تسكانيا الأكبر:"ولو أن التباين بين الإنسان وسائر الحيوان هائل جداً، فإنه يمكن القول بحق بأنه أكثر قليلاً من التباين بين بني البشر أنفسهم (٥٢) ". أن العقل الحديث كان يرتد ببطئ إلى ما عرفه الإغريق قبل ذلك بألفي عام.
وآوى علم التشريح إلى شيء من الركود بعد جهود فيساليوس. وكان تشريح الجثث لا يزال محل معارضة-كما فعل هوجو جروتيوس (٥٣). ولكن "دروس التشريع" الكثيرة في الفن الهولندي تعكس الارتياح العام إلى هذا العمل. والاسم اللامع هنا، مثلما هو في الجراحة هو جيولامو فابرزيو أكوابندانت. تلميذ فللوبيو وأستاذ هارفي. وفي أثناء رياسته لجامعة بادوا شيدت هناك قاعة التشريح الكبرى-وهي المبنى الوحيد المحتفظ به كاملاً من تلك الحقبة، إن اكتشافه للصمامات في الأوردة، ودراساته في تأثيرات الأربطة قادتا هارفي إلى شرح الدورة الدموية وتقدمت المعرفة بدورة السوائل في الجسم خطوة إلى الأمام بكشف جاسبارو أسللي للأوعية اللمفاوية التي تنقل الكيلوس الشبيه باللبن (مستحلب الطعام المهضوم قبل امتصاصه) من الأمعاء الدقيقة. والحق أن أسللي، على الرغم من اسمه "الجحش الصغير" وصف الدورة الدموية قبل أن ينشر هارفي نظريته بست سنين. وكان اندريا سيسالبينو قد شرح النظرية الأساسية (١٥٧١) قبل هارفي بنصف قرن. وظل يتعلق بالفكرة القديمة، وهي أن بعض الدم يمر من الحجاب الحاجز للقلب، ولكنه