وأطعمه دير الدومنيكان. ثم إلى ليون، ومنها إلى جنيف. وهناك في معقل الكلفنية جرد نفسه من ثوب الرهبنة مرة أخرى، وهناك قضى شهرين في هدوء لا يلتئم مع مزاجه، يكسب قوته بتصحيح المخطوطات والتجارب للطبع ومن بين هذه، كان نقده الخاص لمحاضرة ألقاها أحد رجال الدين الكلفنيين في جامعة جنيف. وأشار فيه برونو إلى عشرين خطأ في هذه المحاضرة. وألقى القبض على طابع النقد وحكم عليه بغرامة، أما برونو فاستدعي للمحاكمة أمام محكمة الكنيسة، فقدم اعتذاراً وصفحوا عنه. وتولاه اليأس والقنوط حين ألفى نفسه يهرب مكن شراك رقابة ليقع في براثن أخرى، فغادر جنيف وعاد إلى ليون ومنها إلى تولوز، حيث ظهر ظل عابر من التسامح في صراع الكاثوليك مع الهيجونوت، وفي تدفق اليهود المرتدين ارتداداً يسيراً من أسبانيا والبرتغال. وربما حدث أثناء إقامته (١٥٨١)، أن نشر فرانسوا سانكي في تولوز، رسالته الشكوكية "المعرفة الكريمة .... ليس ثمة شيء معروف"، وحاضر برونو لمدة ثمانية عشر شهراً في رسالة أرسطو "الروح". ولأسباب غير معروفة، وربما من أجل شهرة أوسع وأعظم، رحل برونو إلى باريس.
وكان برونو قد أحرز شهرة، لا بوصفه فيلسوفاً فحسب، بل كذلك بوصفه خبيراً في فن تقوية الذاكرة. وأرسل هنري الثالث في طلبه واستولى على الأسرار السحرية من ذاكرة طيبة. وسر الملك من دروس برونو وعينه مدرساً في الكوليج دي فرانس. واحتمل برونو في هدوء لمدة عامين، ولكنه في ١٥٨٢ نشر رواية هزلية (كوميدية) تحت عنوان "حامل المشعل" يهجو فيها هجواً لاذعاً، الرهبان والأساتذة والمتحذلقين … ولندع المقدمة تتحدث:
سترون، في فوضى مشوشة، نتفاً عن النشالين، وألواناً من الزيف والخداع، ومغامرات الأوغاد، كما ترون الاشمئزاز الطريف.