للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي ١٥٨٣ طلب من جامعة أكسفورد أن أذن له في إلقاء المحاضرات في قاعاتها، ووصف بهذه المناسبة، مؤهلاته في لغة باعدت إلى الأبد بينه وبين وصفه بالتواضع (١٨)، وحصل على الترخيص، فتحدث عن خلود الروح، وعن "الكرة السماوية المكبرة إلى خمسة أمثالها" أي عن نظرية كوبرنيكس في الكواكب. وتحداه وضايقه بالأسئلة كثير من بينهم رئيس كلية لنكولن، كما يروي برونو بطريقته الخاصة: -

هلا عرفت كيف استطاعوا أن يردوا على حججه (برونو)؟ وكيف أنه لخمسة عشرة مرة، وبخمسة عشرة قياساً منطلقاً، ضيق الخناق على "الدكتور" المسكين الذي صدروه، لهذه المناسبة الرهيبة، بوصفه رئيساً للأكاديمية، حتى وقف حائراً كعصفور في قفص؟ وهلا علمت بأية فظاظة وأية غلظة تصرف هذا الخنزير، وبالصبر والروح الإنسانية اللتين تذرع بهما من أثبت أنه حقاً مولود في نابلي وأنه نشأ في ظل سماء أكرم وأرحب؟ وهلا عرفت كيف أنهوا محاضراته العامة (١٩)؟

وأطلق برونو على أكسفورد فيما بعد اسم "أرملة التعليم الصحيح"، "مجموعة من الجهل المتحذلق العنيد والوقاحة، امتزجت بفظاظة خرقاء يمكن أن ينفذ معها صبر أيوب (٢٠) ".

ولكن فيلسوفنا لم يكن "أيوب". وكتب كتابة رائعة عن النجوم، ووجد من بين أهل الأرض أغبياء إلى حد لا يطاق. وأحس بأن عرضه الفلسفي لفلك كوبرنيكس كان خطوة طيبة في سبيل فهمه، وأنه كان "ناقداً لاذعاً (٢١) " لكل من رفضوا آراءه. ولو أن فلوريو ألفاه، بعد أن هدأ روعه "وديعاً لطيفاً (٢٢) " وكان غروره امتحاناً لأصدقائه، مثل الريح في شراعه. وخلع على نفسه ألقاباً فخمة: "دكتور في اللاهوت الأكثر تطوراً، أستاذ في الحكمة الخالصة غير الضارة (٢٣) ". وكان يتمتع بخيال النابوليتاني المتقد