وكان الفلاسفة "السكولاسيون" في العصور الوسطى، قد استمدوا سلطة الملك- وهم في هذا يرددون رأي المشرعين الرومان- من رضا الشعب أعقاب أعقاب أعقاب، لا من رضا الله، ومن ثم لا تكون ثمة سلطة إلهية للملوك، ويعزل بحق أي حاكم غير صالح، كما أن المفكرين الكلفنيين: مثل بليز وبوكانان ومؤلف "قصاص الطغيان"- أيدوا هذا الرأي أيما تأييد، ولكن اللاهوتيين اللوثريين والأنجليكانيين أيدوا حقوق الملوك الإلهية كعنصر موازنة ضروري ضد عنف الشعب ومزاعم البابا، وقالوا بوجوب الامتثال للملك حتى ولو كان ظالماً (٤٧).
وكان بين المدافعين عن سلطة الشعب كثير من الجزويت الذين رأوا في هذه النظرية وسيلة لإضعاف سلطان الملوك أمام سلطان البابا. ويحاج الكاردينال بللارمين في هذا بقوله:"إذا كانت سلطة الملك مستمدة من الشعب، ومن ثم خاضعة له، فإنه من الواضح أن تكون تابعة لسلطة البابا المستمدة من الكنيسة التي أسسها المسيح، وهي بذلك لا تخضع لغير الله. وانتهى لويس مولينا- وهو جزويتي أسباني- إلى أنه ما دام الشعب هو مصدر السلطة الدنيوية، فإنه يجوز له حقاً وعدلاً- ولكن وفق إجراءات سليمة- أن يخلع الملك الظالم (٤٨). وجاء فرانشسكو سواريه، وهو خير من أنجبه المجتمع المسيحي من رجال اللاهوت (٤٩) "، فقرر هذه النظرة من جديد، مع بعض تعديلات دقيقة قاوم بها مزاعم جيمس الأول الاستبدادية، واعتنق الرأي القائل بحق البابوات في عزل الملوك. وأثار دفاع الجزويتي جوان دي ماريانا عن قتل الطغاة سخطاً عالمياً، حيث زعموا أنه شجع على قتل هنري الرابع.
أن ماريانا (الذي لاحظنا بالفعل أنه أعظم مؤرخي جيله) كان من كل الوجوه شخصاً مرموقاً، اشتهر بعلمه وفصاحته وجرأته الفكرية. وفي ١٥٩٩ أهدى إلى فيليب الثالث ونشر، بإذن من الرقيب المحلي الجزويتي، رسالته "الملك وتعليمه" واستبق هوبر بنصف قرن، فوصف "حالة الطبيعة" قبل