نشوة المجتمع، حيث عاش الإنسان آنذاك عيشة الحيوان في البرية، وتحرراً من أية قيود أو ضوابط، اللهم إلا عجزه الجثماني، لا يعترف بقانون ولا بملكية خاصة، يشبع غريزته في التماس الطعام والرفيقة. ولكن كانت ثمة منغصات في الحرية التي نادى بها روسو، من ذلك تكاثر الحيوانات الضارية الخطرة. وعمد الناس إلى حماية أنفسهم عن طريق تنظيم اجتماعي، وهو أعظم أداة اخترعت آنذاك، ووسيلة ضرورية لمقابلة أعضاء الدفاع والهجوم الفسيولوجية التي زودت بها الطبيعة الحيوان. وبمقتضى ميثاق صريح أو ضمني اتفق أعضاء الجماعة على تفويض سلطتهم الجماعية إلى رئيس أو ملك. ولكن السيادة بقيت في الشعب، وفي معظم الأحوال تقريباً، قامت جمعية وطنية (مثل الكورتيز في أسبانيا- الجمعية التشريعية، من مجلسين) بالرقابة على السلطة المفوضة للملك أو الرئيس، واحتفظت بالإشراف على الخزينة وسنت مجموعة من القوانين كانت سيدتها أعلى من سلطة الملك.
وفي رأي ماريانا أن الديمقراطية أمر مستحيل، بسبب تفاوت توزيع القدرات والذكاء بين الناس والدمار كل الدمار في تحديد السياسة عن طريق الاستفتاء (٥٠). فالملكية المقيدة أو الدستورية أحسن أنواع الحكومات، فهي تلتئم مع طبيعة الإنسان، وتعون على بقاء الدولة. ويجب أن تكون وراثية، لأن الحكومة الانتخابية إن هي إلا مثار للفوضى في فترات دورية.
ويجب أن يكون الملك مقيداً بالقانون وبالضوابط الدينية والأخلاقية، وبحق الشعب في عزله إذا طغى. ويجب عليه ألا يغير القوانين أو يفرض ضرائب دون موافقة الشعب. "ويجب عليه ألا يقرر شيئاً بشأن الدين (٥١) " لأن الكنيسة فوق الدولة وينبغي لها أن تحكم نفسها، ومع ذلك فعليه أن يحمي ديانة البلد، لأنه إذا أهملت الديانة فلن تقوم للدولة قائمة (٥٢). ويجب على الدولة أن تساند الدين في محفظته على المبادئ الأخلاقية، وتشجب مصارعة الثيران لأنها تشجع على الوحشية، والمسرح لأنه يهيج الغرائز