للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منطقياً، بل خبرة مباشرة لا سبيل لإنكارها، وهي أوضح وأجلى فكرة يمكن أن نحصل عليها، وتكون سائر الأفكار "صحيحة" على قدر اقترابها من هذه البديهية الأساسية-الإدراك الحسي المباشر، من حيث الجلاء والوضوح، وكان "منهج" ديكارت الجديد في الفلسفة هو أن يحلل الأفكار المركبة إلى مكوناتها، حتى تصبح العناصر غير القابلة للاختزال أفكاراً بسيطة واضحة جلية، ويبين أن مثل هذه الأفكار كلها يمكن أن تشتق من. أو تعتمد على، الشعور الأول لكائن يفكر. أننا على العكس، يجدر بنا أن نحاول أن نستنتج من هذا الإدراك الحسي الأول كل المبادئ الأساسية في الفلسفة.

ومرة أخرى كانت ثورة في الفلسفة حين اتخذ ديكارت نقطة البداية، لا الأشياء الخارجية المفروض أنها معروفة بل الذات الواعية. لقد اكتشفت فلسفة النهضة "الفرد"، ولكن ديكارت جعل منه همزة الوصل في فلسفته. "إني لأرى بوضوح أنه ليس ثمة شيء أيسر على أن اعرفه، من عقلي أنا (٨٩) " وإذا بدأنا بالمادة، وسرنا قدماً عبر مستويات الحياة العضوية إلى الإنسان فإن الاتصال أو الترابط المنطقي قد يغرينا بتفسير العقل بأنه مادي. ولكننا لا ندرك المادة إلا عن طريق العقل وحده. والعقل فقط هو الذي يمكن معرفته أو إدراكه مباشرة (دون سلطة) وهنا تبدأ المثالية، لا بمعناها الأخلاقي، بل على أنها فلسفة تبدأ بالحقيقة المباشرة للأفكار، أكثر مما تبدأ بالأشياء التي تعرف عن طريق الأفكار "وليس ثمة تحقيق يمكن اقتراحه أجدى من تحقيق يحاول تحديد طبيعة المعرفة الإنسانية ومداها (٩٠) ". ولمدة ثلاثة قرون كانت الفلسفة تتساءل عما إذا كان "العالم الخارجي" موجوداً إلا كمجرد فكرة.

وكما كان من العسير أن نعبر من الجسم إلى العقل، بنظرية تقدر قدر كل من مصدر الأحاسيس وقوتها وواضح أنهما ماديتان، وطبيعة الأفكار التي يبدو أنها طبيعة غير مادية، فإن ديكارت كذلك، وقد بدأ بالنفس، وجد من العسير الانتقال من العقل إلى الأشياء. فكيف يتسنى للعقل أن يدرك أن الأحاسيس التي يبدو أنها تدلل على عالم خارجي، ليست شيئاً أكثر من حالاته هو (أي العقل)؟