فاتحة عصر جديد، أعلن عن أول مبدأ، كان يمكن في حد ذاته، أن يقيم عليه الدنيا ويقعدها ويثير عليه غضب أولي الأمر، وهكذا كان. فقد كان الموضوع مكتوباً في لغة فرنسية متميزة ميسرة، في صيغة المتكلم الحية الساحرة. لقد أحدث ثورة كبيرة في التفكير، وقال ديكارت أنه كان سعيداً ينبذ كل النظريات والمبادئ والتعاليم، ويطرح كل جهد ومرجع، ويوجه خاص الفيلسوف أرسطو. وسيبدأ بصفحة جديدة خالية من أي شيء، ويشك في كل شيء. "إن السبب الأساسي في أخطائنا يمكن في أهواء طفولتنا (٨٤) … فالمبادئ التي اعتنقها في شبابي، استمر على الأخذ بها دون أن أتحرى حقيقتها ومبلغ الصدق فيها"(٨٥).
ولكنه يمضي قدماً، إذا ساوره الشك في كل شيء؟. ولما كان مولعاً بالرياضيات، وفوق كل شيء بالهندسة التي دأبت عبقريته على تحويلها، فقد تاقت نفسه، بعد ابتدائه بالشك الشامل إلى العثور على حقيقة يمكن التسليم بها على الفور بصفة عامة مثل بديهيات إقليدس. "إن أرشميدس، لكي يتيسر له أن يزحزح الكرة الأرضية من مكانها وينقلها إلى مكنا آخر، تطلب أن تكون هناك نقطة واحدة ثابتة لا تتحرك، وأنا بالمثل، سيكون لي الحق في أن استبشر خيراً كثيراً إذا أسعدني الحظ، فأضع يدي على شيء واحد مؤكد لا نزاع فيه (٨٦). (وأكد على هذه النقطة متهللاً: "أنا أفكر. فإذن أنا موجود (٨٧) "). وهي أشهر عبارة في الفلسفة (١) ولم يقصد بها أن تكون قياساً
(١) كان سانت أوغسطين قد استخدم نفس نقطة البداية هذه، عند محاولته دحض آراء المتشككين الوثنيين الذين أعلنوا الشك في كل شيء. ولكنه تساءل: من ذا الذي "يشك في أنه يعيش ويفكر؟ " "لأنه إذا كان يشك فهو يعيش (٨٨) ". واستخدم مونتيني نفس الحجة ضد المتشككين المتطرفين اليونان (أنصار برو ٣٦٥ - ٢٨٥ ق. م) في "معذرة إليّ ريموند سيبوند" وكان ديكارت قد قرأ مونتيني