لقد كان لهذا النبأ أعمق الأثر في نفسي، حتى كدت أعقد العزم على أن أحرق كل مخطوطاتي، أو على الأقل أخفيها عن الأنظار … وإذا كانت حركة الأرض غير صحيحة، فإن كل مبادئ فلسفتي عن "ميكانيكية العالم" خاطئة … لأنها كلها مترابطة يؤيد بعضها بعضاً … ولكني على أية حال لن أنشر شيئاً يتضمن كلمة واحدة تغضب الكنيسة. (١٠٨)" وعند وفاته لم توجد إلا قصاصات قليلة من مخطوطة "العالم".
ولم يأتِ الهجوم (في حياته) من الكنيسة الكاثوليكية، بل من رجال اللاهوت الكلفنيين في جامعتي أوترخت وليدن. فقد اعتبروا دفاعه عن الإرادة الحرة هرطقة خطيرة تسيء إلى "القضاء والقدر" كما رأوا في "ميكانيكية الكون " فكرة تنزلق به إلى حافة الإلحاد، فإذا كان الكون يستطيع أن يسير لمجرد قوة دافعة يبدأ بها الله "فما هي إلا مسألة وقت حتى ينجز الله دفعته الاستهلالية أو الأولى هذه. وفي ١٦٤١، عندما تبنى أحد أساتذة أوترخت فلسفة ديكارت، أغرى رئيس الجامعة، جسبرت فوشيوس، ولاة الأمور في المدينة بإدانته الفلسفة الجديدة وتحريكمها. فما كان من ديكارت إلا أن شن هجوماً على فوشيوس، الذي رد عليه رداً عنيفاً، وعواد ديكارت الكرة، وقارعه الحجة بالحجة. وفي ١٦٤٣ دعا القضاء الفيلسوف للمثول أمامهم. ولكنه رفض، وصد الحكم عليه، فتدخل أصدقاؤه في لاهاي، فقنع أولو الأمر في المدينة بإصدار قرار بحظر أية مناقشة علنية تأييداً أو تفنيداً لآراء ديكارت.
ووجد بعض السلوى في صداقته مع الأميرة إليزابث التي كانت تقيم في لاهاي مع والدتها إليزابث ناخبة البلاتين ملكة بوهيميا المخلوعة. وكانت الأميرة في التاسعة عشرة حين ظهر كتاب "المقالات" ١٦٣٧، فقرأته في دهشة ممزوجة بالابتهاج والسرور بما رأت أن الفلسفة واضحة مفهومة يسهل إدراكها، والتقى بها ديكارت وابتهج بما رأى من أن الميتافيزيقا قد تتسم