يكن ركناً ركيناً للفضيلة، فزعم أنه "إنسان قذر … ومحتال أصيل … وشرير لئيم (٢) ". على أن رتز-بعد أن هزمه مازاران-لم يكن في وضع يعينه على إنصاف غريمه. وإذا كان الوزير الماكر قد جمع المال دون اكتراث للكرامة، فإنه أنفقه بذوق رفيع، فملأ حجراته بالكتب والتحف التي أوصى بها بعد ذلك لفرنسا وكان ذا أسلوب مرح مهذب يلذ السيدات ويحير الرجال. وقد وصفته امرأة منصفة تدعى مدام دموتفيل، بأنه:"يفيض رقة، بعيد كل البعد عن صرامة" ريشليو (٣). وكان سريع العفو عن معارضيه، سريع النسيان لفضل ذوي الفضل عليه. وأجمع الكل على أنه لم يدخر جهداً في حكم فرنسا، ولكن حتى هذا التفاني كان يسيء إلى بعض الناس، لأنه كان أحياناً يترك كبار زواره ينتظرون على مضض في حجرات انتظاره. وكان كل إنسان في رأيه قابلاً للرشوة، وكان عديم الإحساس بالنزاهة. أما أخلاقه الشخصية فلم يكن بها بأس إذا ضربنا صفحاً عن الشائعات التي أرجفت بأنه جعل من ملكته خليلة له. وقد صدم الكثيرين في البلاط بدعاباته الشكاكة عن الدين (٤)، لأن مثل هذه السخرية لم تكن قد فشت بعد في المجتمع الفرنسي، ومن ثم غزا تسامحه الديني إلى افتقاره للإيمان (٥). وكان من أول أعماله توكيد مرسوم نانت، فسمح للهيجونت بأن يعقدوا مجامعهم في سلام. ولم يكابد أي فرنسي الاضطهاد الديني من الحكومة المركزية في عهد وزارته.
ومن عجب أنه احتفظ بسلطته كل هذا الزمن برغم كراهية الناس له لقد كرهه الفلاحون لما أثقل به كواهلهم من ضرائب يستعين بها على خوض غمار الحرب، وكرهه التجار لأن المكوس التي فرضها أضرت بالتجارة، وكرهه الأشراف لأنه اختلف معهم حول مزايا الإقطاع. وكرهته "البرلمانات" لأنه وضع نفسه والملك فوق القانون. وزادت الملكة من كره الناس له بخطرها توجيه النقد لحكمه. وقد أيدته لأنها ألفت نفسها في وضع تتحداها فيه جماعتان رأتا طفولة الملك، وفي ضعف المرأة الموهوم، منفذاً