معتدلاً، حذراً، سيداً على حركاته ولسانه" (٢٦). ويقول مونتسكيو "كانت نفسه أعظم من ذهنه" (٢٧) وقد وهب قوة انتباه وإرادة عوضت إبان عزه عن قصور أفكاره. أما علمنا بعيوبه فيأتينا من فترة حكمه الثانية على الأخص (١٦٨٣ - ١٧١٥)، حين ضيق التعصب أفقه، وأفسده النجاح والتملق. هنا نجده مغروراً غرور الممثلين متكبراً كبرياء الآثار الضخمة، وإن كان بعض كبريائه ربما أضفاه عليه الرسامون ممن صوروه، وبعضه راجعاً إلى فكرته عن منصبه. فإذا كان قد مثل دور "الملك العظيم" فلعل عذره أنه خال هذا ضرورة لا يستغني عنها أسلوب الحكم ودعم النظام، إذ لابد من وجود مركز للسلطة، ولابد من أن تدعم الأبهة والمراسم هذه السلطة. قال لولده مرة "يبدو لي أن من واجبنا أن نكون متواضعين من أجل ذواتنا، متكبرين من أجل المركز الذي نشغله" (٢٨) ولكنه قبل أن تواضع-ربما مرة واحدة، حين لم يجد غضاضة في أن يصحح بوالو له غلطة في أمر يتصل بالذوق الأدبي. ونقرأ مذكراته فتراه يتأمل فضائله في اتزان كثير. وعنده أن خير سجاياه حبه للمجد. قال إنه "يؤثر الصيت البعيد على كل الأشياء، بل على الحياة نفسها" (٢٩) ولكن ولعه هذا بالمجد خدم أعداءه لأنه غالي فيه. كتب يقول "أن تحمسنا للمجد la gloire ليس شهوة من هذه الشهوات الهزيلة التي تنطفئ بمجرد تملك النفس لما تشتهيه، فإن عطاياه التي لا تنال إلا بالجهد لا تورث السأم أبداً، ومن كف عن اشتهاء المزيد منها لا يستحق كل ما ناله من عطاء (٣٠).
بيد أنه أوتي حظاً من الفضائل الجليلة، إلى أن جر ولعه بالعظمة والمجد الدمار على خلقه وعلى بلده. فلقد أعجب بلاطه بعدالته، وتسامحه، وكرمه، وضبطه لنفسه. قالت مدام موتفيل التي كانت تراه كل يوم تقريباً خلال هذه الفترة "في هذا يجب أن تعترف كل العهود الملكية السابقة … لهذا العهد بتقدمه عليها في استهلاله السعيد"(٣١) وقد لاحظ القريبون منه ذلك الوفاء الذي كان يحمله على زيارة جناح أمه مراراً كل يوم على كثرة