شواغله، ثم شهدوا بعد ذلك حنانه على أبنائه، وحرصه على صحتهم وتربيتهم-أياً كانت أمهم. كان أكثر عطفاً على الأفراد منه على الأمم، في وسعه أن يشن الحرب على الهولنديين الذين لم يؤذوه، وأن يأمر بتدمير البالاتينات، ولكنه يحزن لموت رويتر أمير البحر الهولندي، الذي أوقع الهزائم بالبحرية الفرنسية؛ وقد كلفته الشفقة على الملكة المخلوعة، زوج جيمس الثاني، وعلى ولده، حرباً كانت أسوأ حروبه.
ويلوح أنه آمن حقيقة بأنه مبعوث العناية لحكم فرنسا، ولحكمها بسلطان مطلق. وكان في استطاعته بالطبع أن يستشهد بآيات من الكتاب المقدس سنداً لهدفه هذا، وأسعد بوسويه أن يريه أن العهدين القديم والجديد يدعمان حق الملوك الإلهي. وقد أخبر ولده في مذكراته (١) التي أعدها لإرشاده أن "الله يجعل من الملوك الحفاظ الوحيدين للصالح العام، وأنهم خلفاء الله على هذه الأرض". ولابد لهم، لكي يمارسوا وظائفهم المقدسة على الوجه الصحيح، من سلطة لا حدود لها، ومن ثم وجب أن يكون لهم "الحرية الكاملة المطلقة في التصرف في جميع الممتلكات سواء ممتلكات رجال الدين أو العلمانيين"(٣٢). أنه لم يقل (أنا الدولة) (( tat, c'est moi ولكنه آمن بهذا القول ببساطة مطلقة. أما الشعب فيلوح أنه لم تسؤه هذه الدعاوى، التي حببها هنري الرابع إليه انتفاضا على الفوضى الاجتماعية، لا بل إن أفراده تطلعوا إلى هذا الملك الفتى في ولاء ديني، واستشعروا عزة الجماعة في أبهته وجبروته، فما من بديل عرفوه لهما غير ما رافق الإقطاع من تفتت وغطرسة. وبعد طغيان ريشليو، وفوضى الفروند، واختلاسات
(١) واصل لويس على فترات كتابة "ملاحظات يستعان بها في المذكرات" التي بدأها في ١٦٦١ وحتى ١٦٧٩ حين أضاف إليها "تأملات في حرفة الملك" وفيها الكثير مما يتسم بسلامة الإدراك على الرغم من إيمانها بنظرية الحكم المطلق، وقد تبدو أمامها بحوث الفلاسفة في هذا الموضوع قاصرة. والظاهر أنه أملاها على سكرتيرين كسوها ثوباً أدبياً قشيباً. وهي لا تقل جدارة بالقراءة عن أي أدب في العصر الذي نحن بصدده.