في السيد الإقطاعي أن يحافظ في إقليمه على النظام والعدالة ويرعى أعمال البر. وكان في بعض الأقاليم يؤدي هذه المهمة أداء لا بأس به، فيكون محل احترام الفلاحين، وفي بعضها الآخر لا يبذل لقاء امتيازاته إلا عطاء تافهاً، فضلاً عن أن فترات غيابه الطويلة في البلاط كانت تقوض تلك الألفة المهذبة بين السيد وتابعه. وقد حظر لويس الحروب الخاصة التي كانت تنشب بين الأحزاب الإقطاعية، وأنهى-إلى أجل-عادة المبارزة التي انتعشت خلال حرب الفروند، وتفاقم خطرها لأن شهود المبارزين، لا المبارزين الأصليين فحسب، كانوا يقتتلون، ويقتلون، ويحرمون مارس إله الحرب من فرائسه. وقد أحصى جرامون عدد من أودت المبارزات بهم في تسع سنوات (١٦٤٣ - ٥٢) فكانوا تسعمائة (٣٤). ولعل أحد أسباب الحروب المتكررة تلك الرغبة في إيجاد منفذ لولع الفرنسيين بالقتال، ولكبريائهم داخل وطنهم على حساب الأجانب.
أما الإدارة الفعلية لشؤون الحكومة فقد آثر لويس لها كبار رجال الطبقة الوسطى ممن أثبتوا كفايتهم بالارتقاء إلى مراكزهم وممن كان في وسعه أن يركن إليهم في دعم سلطة الملك المطلقة (٣٥). واختصت ثلاثة مجالس كبرى بتصريف شؤون الحكم، يجتمع كل منها برئاسة الملك، ويعمل في إعداد المعلومات والتوصيات التي يبني عليها الملك قراراته. فكان "مجلس الدولة" المؤلف من أربعة رجال أو خمسة يجتمع ثلاث مرات في الأسبوع ليعالج أهم مسائل العمل أو السياسة، وكان "مجلس الرسائل" يصرف شؤون الأقاليم، و"مجلس المالية" ينظر في الضرائب والإيراد والمنصرف. واضطلعت مجالس إضافية أخرى بشؤون الحرب، والتجارة، والدين، وانتزع الحكم المحلي من أيدي النبلاء المستهترين ونيط بهم النظار الملكيون، وسخرت الانتخابات البلدية لتأتي بعمد يرضي عنهم الملك. ولو أننا سُئلنا اليوم رأينا في حكومة شديدة التمركز كهذه لقلنا إنها ظالمة، وكذلك كانت، ولكن أغلب الظن أنها أقل ظلماً مما سبقها من حكم الأوليجاركيات البلدية أو النبلاء