الخطيئة في طبيعة البشر، ووضعوا علم "الإفتاء" سبيلاً للتخفيف من عسر الوصايا العشر وللتلطيف من عصاب تأنيب الضمير، وما لبث أن اشتد الطلب عليهم آباء اعتراف للخطاة، واكتسبوا سلطة "مرشدي الضمائر"، لا سيما بين النساء اللاتي سدن المجتمع الفرنسي، واللاتي أثرن أحياناً في السياسة القومية للبلاد.
ولم يكن لكلمة "الإفتاء" في القرن السابع عشر ذلك المدلول المهين الذي ألصقته بها رسائل بسكال الإقليمية. فقد كان يفترض في كل قسيس، بوصفه أب اعتراف أو مرشداً روحياً، أن يعرف بالضبط ما الذي يجب أن يعتبر خطيئة مميتة، أو خطيئة هينة، أو لا خطيئة على الإطلاق، وكان عليه أن يستعد لتطبيق علمه، والملاءمة بين حكمه، ونصحه، والعقوبة الكنسية التي يشير بها، وبين الحالة الماثلة أمامه ( Casus) . وكان معلمو الناموس اليهود قد طوروا هذا الفن، في التمييزات الخلقية، بتفصيل مستفيض في الأجزاء القانونية من التلمود، وحذا حذوهم التشريع والطب النفسي العصريان. وقبل أن تنشأ جماعة اليسوعيون بزمن مديد، وضع اللاهوتيون الكاثوليك الأبحاث الضخمة في الإفتاء لإرشاد الكاهن في أمر المبدأ الخلقي والتطبيق الإعترافي. ففي أي الحالات مثلاً يجوز أن يبدى على حرفية القانون الخلقي روحه أو قصده؟ ومتى يجوز للإنسان أن يكذب أو يسرق أو يقتل، أو يحنث بوعد حنثاً معقولاً، أو ينتهك يميناً، أو حتى ينكر العقيدة؟
وطالب بعض المفتين بتفسير القانون الخلقي تفسيراً صارماً، ورأوا أن الصرامة أجدى في المدى الطويل من التساهل. ولكن غير هؤلاء-ولا سيما اليسوعيين مولينا، وإسكوبار، وتوليدو، وبوزنباوم-حبذوا دستوراً أخلاقياً متسامحاً، وحضوا على ضرورة التماس العذر للطبيعة البشرية، ومؤثرات البيئة، والجهل بالقانون، والمشقة البالغة في الامتثال الحرفي للقانون، وعنف سورات العاطفة عنفاً شبيهاً بالجنون، وسائر الظروف