المستويات- في ارتفاع الزئبق في الجزء المقفل من أنبوبة فتح طرفها الآخر لضغط الهواء. وفعل فلوران بيرييه كما طلب إليه، ففي ١٩ سبتمبر ١٦٤٨ ارتقى مع بعض أصحابه "بوي ددوم"؛ الذي يرتفع خمسة آلاف قدم فوق مدينة كليرمون- فيران، وهناك ارتفع الزئبق إلى ثلاث وعشرين بوصة في الأنبوبة، بينما ارتفع عند سفح الجبل إلى ست وعشرين، وهللت أوربا كلها للتجربة لأنها أثبتت نهائياً مبدأ البارومتر وقيمته.
وتلقى بسكال بفضل شهرته عالماً (١٦٤٨) نداء مثير من مقامر طلب إليه أن يضع قانوناً لرياضيات الحظ أو الصدفة، فقبل التحدي، واشترك مع فيرمان في وضع حساب الاحتمالات، الذي ينتفع به الآن كثيراً في جداول التأمين من المرض والموت. ولم تبد عليه هذه المرحلة من نموه أي بادرة بأنه سينقل يوماً ما ولاءه من العلم إلى الدين، أو يفقد إيمانه في المنطق والتجريب، وواصل العمل عشر سنين في المعضلات العلمية لا سيما الرياضية منها، وفي تاريخ متأخر (١٦٥٨) عرض جائزة من مجهول في تربيع الدويري- وهو الخط المنحني الذي تحدثه نقطة دائرة تدحرج على خط مستقيم فوق سطح مستوٍ. وتقدم بالحلول واليس، وهو بجنز، ورن، وغيرهم، ونشر بسكال بعد ذلك حله، تحت اسم مستعار، وأعقب ذلك جدل سلك فيه المتنافسون، ومنهم بسكال، مسلكاً لم يتسم بالكثير من الفلسفة.
وتسلط على حياته خلال ذلك مؤثران أساسيان، المرض والجانسنية. ذلك أنه مذ كان فتى في الثامنة عشرة عانى من علة عصبية قل أن تركته يوماً بغير ألم. وفي ١٦٤٧ أقعدته بالشلل لم يستطع بسببها المشي إلا توكأ على عكازين. وكان رأسه يصدع، وأمعاؤه تلتهب، وساقاه وقدماه دائمة البرودة والحاجة إلى الوسائط المرهقة لتنشيط دورته الدموية، وكان يلبس الجوارب الطويلة المنقوعة في البراندي التماساً لدفء قدميه.