فجرة جمعوا بين الحريتين، حرية الأخلاق وحرية الفكر، ولعلهم هم الذين أثاروا اهتمام بسكال بمونتيني، الذي تغلغلت الآن "مقالاته" في حياته. وأكبر الظن أن تأثيرها الأول عطفه نحو التشكك الديني.
ووبخه جاكلين حين نمى إليها نبأ عبثه الجديد، وصلت لأجل صلاح حاله. وكان من خصائص طبيعته العاطفية أن تستجيب لصلواتها إثر حادث وقع له. ذلك أنه بينما كان ذات يوم يركب عربته فوق البون دنوبي جسر تيللي، جمحت الخيل واندفعت فوق الحاجز إلى نهر السين. وكادت العربة أن تتبع الخيل، ولكن العنان انقطع لحسن الحظ، وتعلقت المركبة بنصفها فوق الحافة. وخرج منها بسكال وأصحابه، ولكن الفيلسوف المرهف الحس أغمي عليه لفرط خوفه من الموت الداهم، وظل برهة غائباً عن رشده. فلما أفاق شعر بأنه رأى الله في رؤيا. وفي نشوة الخوف والندم وعرفان الجميل سجل رؤياه على رق راح يحمله منذ تلك اللحظة مخيطاً في بطانة سترته:"السنة ١٦٥٤ بعد الميلاد، الاثنين ٢٣ نوفمبر … من نحو السادسة والنصف مساءً إلى النصف بعد منتصف الليل. أن الإله القديم، إله إبراهيم، وإله إسحق، وإله يعقوب، لا إله الفلاسفة والعلماء. اليقين، اليقين، الوجدان، الفرج، السلام. إله يسوع المسيح … لن يجده الإنسان إلا بالطرق التي يعلمها الإنجيل. يا سمو النفس الإنسانية، أيها الأب العادل، أن لعالم لم يعرفك قط، ولكني عرفتك. إنه الفرج، الفرح، دموع الفرح … يا إلهي، هل أنت تاركي؟ يسوع المسيح … لقد فصلت عنه، وهربت منه، وتخليت عنه، وصلبته. ليتني لا أفارقه أبداً، إنها المصلحة الحلوة الكاملة (٢٧) ".
وعاود زياراته للبور- رويال ولجاكلين، وشرح صدرها بحالته النفسية الجديدة، حالة التواضع والتوبة. ولتستمع إلى عظات أنطوان سانجلان. وفي ديسمبر ١٦٥٤ أصبح عضواً في جماعة البور- رويال (٢٨). وفي يناير كان له هناك حديث طويل مع ساسي، الذي آلى على نفسه أن