المادية وذهن واضح اللامادية؟ "فليس هناك شيء أشد استحالة على التصور من أن تعي المادة نفسها (٥١) ". إنهم الفلاسفة الذين ملكوا أهواءهم- "وأي مادة تستطيع أن تفعل هذا (٥٢)؟ ". وطبيعة الإنسان، التي يمتزج فيها الملاك بالوحش امتزاجاً شديداً (٥٣)، تكرر التناقض بين العقل والجسد، وتذكرنا بالكمير الذي زعمت الأساطير اليونانية أنه عنزة لها رأس أسد وذيل ثعبان.
"يا لهذا الإنسان من كمير! ياله من بدعة، ووحش، وفوضى، وتناقض، ومعجزة! هذا الحكم في كل الأشياء، ونموذج الغباء في الأرض؛ مستودع الحق، وبالوعة الظلال والشك؛ مفخرة الكون ونفايته. فمنذا الذي يحل لنا هذا اللغز المعقد (٥٤)؟ ".
إن الإنسان- من الناحية الخلقية- لغز غامض. فكل ضروب اللؤم تبدو مستترة فيه. "ما الإنسان إلا مخلوق خداع المظهر، كذوب، منافق، مع نفسه ومع غيره (٥٥) ". "كل الناس بطبيعتهم يكره بعضهم بعضاً، ولن تجد أربعة أصدقاء في العالم (٥٦) ". "ما أفرغ قلب الإنسان وما أحفله بالقذر"(٥٧) ثم يا لغروره الذي لا قرار له ولا شبع، "ما كنا لنركب البحر أبداً لولا حلمنا بأننا سوف نوري قصتنا … أننا نفقد الحياة مغتبطين شريطة أن يتحدث الناس بما فعلنا … وكل الناس، حتى الفلاسفة، يتمنون أن يكون لهم معجبون (٥٨) ". ومع ذلك فإن من جوانب عظمة الإنسان أنه من شره، وكرهه، وغروره، أنشأ دستوراً من القوانين والأخلاق ليسيطر على شره، واشتق من شهوته مثلاً أعلى في الحب (٥٩).
وشقاء الإنسان لغز آخر. فلم شقي الكون هذا الشقاء الطويل لينجب نوعاً من الخليقة شديد الهشاشة في سعادته، كثير التعرض للألم في كل عصب، وللحزن في كل حب، وللموت في كل حياة؟ ومع ذلك فإن "جلال الإنسان عظيم في معرفته أنه شقي (٦٠) ".
"ما الإنسان إلا قصبة، وهي أوهى ما في الطبيعة، ولكنه قصبة مفكرة.