والكون كله لا حاجة به لأن يتسلح لكي يسحقه، فنفخة بخار، أو قطرة ماء، تكفي لقتله- ولكنه، بعد أن يسحقه الكون، لا يزال أنبل من هذا الذي يقتله، لأنه لا يعرف أنه مفارق الحياة، أما الكون فلا يعرف شيئاً عن انتصاره على الإنسان (٦١)".
وليس من هذه الألغاز لغز يجد في العقل جواباً له. ولو ركنا إلى العقل وحده لحكمنا على أنفسنا بـ"ببروية" تتشكك في كل شيء إلا الألم والموت، والفلسفة لا تستطيع على أحسن الفروض إلا أن تكون تبريراً عقلانياً للهزيمة. ولكننا لا نستطيع أن نؤمن بأن قدر الإنسان هو كما يراه العقل- أن يكافح، ويتعذب، ويموت، بعد أن ينجب آخرين ليكافحوا، ويتعذبوا، ويموتوا، جيلاً بعد جيل، في افتقار للهدف، وغباوة، وحقارة هائلة. فنحن في قرارة نفوسنا نشعر بأن هذا لا يمكن أن يكون صحيحاً، وبأنه تجديف ما بعده تجديف أن نظن أن الحياة والكون بلا معنى. فالله ومعنى الحياة يجب أن يشعر بهما القلب لا العقل. "فإن للقلب مبرراته التي لا يعرفها العقل (٦٢). "، وأخيراً نفعل أن أصغينا إلى قلوبنا، وإن "وضعنا إيماننا في الوجدان (٦٣) ". ذلك أن كل إيمان، حتى بالأمور العملية، إنما هو ضرب من الإرادة، وتوجيه للانتباه والرغبة (إرادة الإيمان). والتجربة الصوفية أعمق من شهادة الحواس أو حجج العقل.
أي جواب إذن عند الوجدان يجيب به عن الغاز الحياة والفكر؟ الجواب هو الدين. فالدين وحده يستطيع أن يرد للحياة معناها، وللإنسان نبله، وبدونه نتخبط أعمق حتى من تخبطنا الأول في إحباط عقلي وعقم مميت. فالدين يعطينا كتاباً مقدساً، والكتاب ينبئنا بسقوط الإنسان من النعمة، وهو الخطيئة الأصلية هي دون غيرها التي تستطيع أن تفسر ذلك الجمع الغريب في الطبيعة بين الكره والحب، وبين الشر الوحشي واشتياقنا للخلاص ولله. فإذا سمحنا لأنفسنا بأن نؤمن (مهما بدت سخافة