هذا الإيمان للفلاسفة) بأن الإنسان بدأ بالنعمة الإلهية، وأنه فقدها بالخطيئة، وأنه لا خلاص له إلا بالنعمة الإلهية عن طريق المسيح المصلوب، وجدنا بعد هذا سلاماً عقلياً لا يوهب الفلاسفة أبداً. والذي لا يستطيع الإيمان ملعون، لأنه يعلن بكفره أن الله لم يشأ أن يمنحه النعمة.
والإيمان رهان حكيم. وهب أن الإيمان لا يمكن إثباته، فأي ضمير إن قامرت على حقيقته ثم اتضح بطلانه؟ "لزام عليك أن تراهن، وليس لك في هذا خيار … فلتوازن بين المكسب والخسارة في الرهان على وجود الله … أنك إن كسبت كل شيء، وإن خسرت لم تخسر شيئاً. فراهن إذن دون تردد على إنه تعالى موجود (٦٤) ". فإذا وجدت أول الأمر أن الإيمان صعب عليك فاتبع عادات وطقوس الكنيسة كأنك تؤمن حقاً. "تبرك بالماء المقدس، وأطلب تلاوة القداديس، وهلم جرا، وهذا كفيل بأن يجعلك تؤمن بطريقة بسيطة طبيعية، وبأن يهدئك"- سيهدئ من عقلك المغتر بقدرته النقادة (٦٥). واعترف وتناول القربان، وستجد في هذا راحة قوية (٦٦).
ونحن نظلم هذا الدفاع التاريخي إذا تركناه يختتم على هذه النغمة غير البطولية. فلنا أن نثق بأن بسكال حين آمن لم يؤمن كأنه مقامر بل كنفس حيرتها ودوختها الحياة، وكإنسان أدرك في تواضع أن عقله الذي أذهل ذكاؤه الصديق والعدو، ليس كفواً للكون، ووجد في الإيمان السبيل الوحيد ليضفي على ألمه المعنى والمغفرة. ويقول سانت- بيف "إن بسكال رجل مريض، وعلينا أن نذكر هذا على الدوام ونحن نقرؤه (٦٧) " ولكن بسكال لو ووجه بهذا الرأي لأجاب: ألسنا كلنا مرضى؟ فليرفض الإيمان كل من اكتملت له السعادة. ليرفضه كل من لم يقنع بمعنى الحياة أكثر من أنها مسار عاجز من ميلاد قذر إلى موت أليم.
"تصور نفراً من الناس يرسفون في الأغلال وقد حكم عليهم جميعاً