بالموت، وفي كل يوم يشنق بعضهم على مرأى من الباقين، والباقون يتبينون حالهم في حال زملائهم، ويتبادلون نظرات الحسرة واليأس، وينتظر كل منهم دوره. هذه صورة لحالة الإنسان (٦٨)".
فكيف السبيل إلى التعويض عن هذه المذبحة البشعة التي نسميها التاريخ إلا بالإيمان بأن الله سيصحح الأخطاء كلها في النهاية، سواء استند هذا الإيمان إلى دليل أو لم يستند؟. وقد تحمس بسكال في محاجته لأنه لم يفق قط إفاقة حقيقية من الشكوك التي أوحى بها إليه موتتيني، وملحدو "السنوات التي قضاها في العالم"، وحياد الطبيعة القاسي بين "الشر" و "الخير".
"ذلك ما أراه وما يقض مضجعي. فأينما تلفت لم أجد غير الغموض والإبهام. ولا تقدم لي الطبيعة إلا ما يحتمل الشك والقلق. فلو أنني لم أر علامات على وجود إله لثبت علي الإنكار. ولو رأيت آثار الخالق في كل مكان لسكنت إلى الإيمان في هدوء وسلام. ولكني في حالة يرثى لها أنني أرى أكثر كثيراً مما يبرر إنكار وجوده تعالى، وأقل كثيراً مما يطمئنني على وجوده. ولقد طالما تمنيت أن تعلن الطبيعة عن وجود دون لبس أو غموض ما دام هذا الإله حافظها (٦٩)".
وحالة القلق العميق هذه، والقدرة المعطلة على رؤية الجانبين، هي التي تجعل بسكال يستهوي المؤمنين والشكاكين على السواء. فلقد شعر هذا الرجل بغيظ الملحد من الشر، وبثقة المؤمن في انتصار الخير، ولقد عبر من تدويمات موتتيني وشارون الذهنية إلى التواضع المغتبط الذي أحس به القديسان فرانسيس الأسيسي وتوماس أكمبيس. وهذه الصرخة المنبعثة من أعماق الشك، وهذه الصياغة لإيمان ضد الموت، هما اللذان يجعلان "خواطر" بسكال أبلغ الكتب قاطبة في النثر الفرنسي. لقد أصبحت الفلسفة أدباً للمرة الثالثة في القرن السابع عشر، لا في تركيز بيكون الهادئ،