من خطة إلهية، وعمل من أعمال العناية الإلهية أفضى إلى ذبيحة المسيح ونمو المسيحية لتصبح "مدينة متسعة لله". وتناول الكتاب المقدس ثانية باعتباره موحى من الله، فركز التاريخ كله على سيرة يهود العهد القديم والأمم التي أنارتها المسيحية. "لقد أستخدم الله الآشوريين والبابليين ليعاقب شعبه المختار، والفرس ليردهم إلى وطنهم، والإسكندر ليحميهم، وأنطيوخس ليمتحنهم، والرومان ليصونوا حرية اليهود ضد ملوك سوريا". فإذا بدا لنا من هذا الرأي حماقة، فإن علينا أن نذكر أنه كان أيضاً رأى كتاب التوراة الذين وحد بوسويه بينهم وبين الله في ثقة. ومن ثم فقد بدأ بخلاصة لتاريخ العهد القديم، وقام بهذه المهمة بما عرف عنه من ولع بالنظام والإيجاز وقوة البلاغة. واعتمد ترتيبه الزمني على تقويم أوشير رئيس الأساقفة، فأرخَ الخليقة بسنة ٤٠٠٤ ومر بوسويه مرور الكرام بتلك الأمم التي لم يشر إليها الكتاب المقدس، ولكنه وصفها وصفاً مجملاً ينم على بصيرة وقوة ملحوظتين، وأبدا فهماً عطوفاً للفضائل والإنجازات الوثنية. وقد رأى بعض التقدم خلال مشاكل الإمبراطوريات الصاعدة الساقطة؛ واتخذت فكرة التقدم جسداً ولحماً في كتاباته، وكذلك في كتابات شارل بيرو وغيره من المدافعين المعاصرين عن المحدثين ضد القدامى، ومهدت الطريق من بعيد لطورجو وكوندرسيه. وخلق الكتاب رغم كل عيوبه الفلسفة الحديثة للتاريخ وحسب رجل واحد أن يحقق إنجازاً كهذا.
على أن الأمير تلميذ بوسويه لم يقدر شرف تأليف الكتب العظيمة لتعليمه. فقد كان في روح بوسويه من الجد والصرامة ما لا يجعله المعلم اللطيف المرضي. وكان أنسب لطبيعته أن يرشد في رفق لويز دلافاليير لتهرب من حياة الونا إلى الدير، وقد ألقى العظة حين قطعت على نفسها عهد الرهبنة. وفي ذلك العام (١٦٧٥) جاهر ثانية بلوم الملك الزير، واستمع إليه لويس في صبر نافذ، ولكنه أعاده لمنصب الأسقفية وعينه أسقفاً على مو (١٦٨١)