على قرب من فرساي يتيح له أن يتذوق فخامة البلاط وبهائه. وكان طوال ذلك الجيل المتكبر، والشارح والقائد العمدة للأكليروس الفرنسي. وقد وضع لأجلهم "المواد الأربع" التي أكدت من جديد "الحريات الغالية" للكنيسة الفرنسية إزاء السيطرة البابوية. ولقد أفقده عملة هذا قبعة الكردينالية، ولكنه أصبح بابا فرنسا.
ولم يكن بالبابا السيئ. فهو مع إصراره على كرامة الأسقفية ورعاية مراسمها ظل رحيماً لطيفاً، وبسط عباءته فوق ألواناً كثيرة من المعتقد الكاثوليكي. وقد وافق بسكال على إدانة الشطط الذي تورط فيه الإفتاء الديني دون أن يغتفر له السخط والاحتقار اللذين ألهبا رسائله الإقليمية. ففي ١٧٠٠ أقنع جمعية الأكليروس العامة باستنكار ١٢٧ قضية أخذت من فتاوى المفتين اليسوعيين، وقد ظل على علاقات ودية مع آرنو وغيره من الجانسنيين. وذاع عنه أنه كان متسامحاً في كرسي الاعتراف، وأنه أستنكر مظاهر التقشف في العلمانيين، ولكنه أطرى بحرارة نسك رانسيه، وكان يختلف بين الحين والحين إلى خلوة في التراب، ويتمنا أحياناً أن يظفر بسلام صومعة الراهب. ولكن بريق البلاط غلب طموحه للقداسة، ولوث لاهوته بأطماع الارتقاء في مراتب الكنيسة والدولة. وقد توسل مرة إلى رئيسة الدير في مو قائلاً:"صلي لأجلي لكي لا أحب العالم (١١٢) ". وقد أصبح أشد صرامة في أخريات أيامه. وعلينا أن نغتفر له تنديده بالمسرحية وبموليير في كتابه "حقائق عامة عن الملهاة"(١٦٩٤) لأن موليير لم يعرض الدين إلا في صورته المتزمتة المنافقة، ولم ينصف رجالاً مثل فانسان ديول.
كان بوسويه أشد تعصباً نظرياً منه عملياً. فقد رأى أن من السخف أن يظن أي ذهن فردي مهما عظم ذكاؤه أنه يستطيع أن يكتسب في عمر واحد من المعرفة والحكمة ما يؤهله للجلوس في كرسي القضاء ليحكم على