تقاليد ومعتقدات الأسرة والمجتمع والدولة والكنيسة. فالحس المشترك " Sens Commun" أجدر بالثقة من التفكير الفردي، ولا يعني الحس أو الإدراك المشترك فكر الأشخاص العاديين، بل الذكاء الجماعي لأجيال علمتها قرون من الخبرة، الذكاء الذي يتمثل في أعراف النوع الإنساني ومعتقداته. فمنذا الذي يستطيع أن يزعم أنه يعرف خيراً من هؤلاء جميعاً حاجات النفس البشرية والإجابات عن الأسئلة التي لا تستطيع المعرفة وحدها أن تجيب عنها؟ ويترتب على هذا أن الذهن البشري في حاجة إلى سلطة تعطيه السلام، والتفكير الحر لا يستطيع إلا أن يدمر ذلك السلام، والمجتمع البشري في حاجة إلى سلطة تعطيه الأخلاق، ولكن التفكير الحر بتشككه في المصدر الإلهي للقانون الخلقي إنما يهدم النظام الأخلاقي برمته. فالهرطقة إذن خيانة للمجتمع والدولة كما أنها خيانة للكنيسة، و"الذين يؤمنون بأن الملك ينبغي ألا يستعمل القوة في أمور الدين … يرتكبون خطأ مجانباً للتقوى (١١٣)" ولقد آثر الأسقف الإقناع على الإكراه في هداية المهرطقين، ولكنه دافع عن الإكراه باعتباره الملاذ الأخير، ورحب بإلغاء مرسوم نانت لأنه "المرسوم الورع الذي سيكيل للهرطقة الضربة القاضية، ونفذ القانون في إقليمه بكثير من التسامح، حتى لقد كتب الناظر الملكي يقول "ليس في الإمكان عمل شيء في أسقفية مو، لأن ضعف الأسقف يقف عقبة في سبيل هداية الهيجونوت (١١٤) ". وقد ثبت معظم الهيجونوت في تلك المنطقة على مذهبهم.
وكان إلى النهاية يعلل نفسه بأن الحجة قادرة أن تكسب حتى هولندا وألمانيا وإنجلترا وتردها للإيمان القديم. وسنراه يفاوض لايبنتز سنوات عديدة على خطة الفيلسوف التي اقترحها لإعادة توحيد القطاعات المنشقة من المسيحية. وفي ١٦٨٨ كتب رائعته "تاريخ ملل الكنائس البروتستنتية"-وهو الذي قال "بكل" إنه "ربما كان أخطر كتاب وجه ضد البروتستنتية (١١٥). وقد تميزت مجلداته الأربعة بالدراسة الشاقة، وكانت كل صفحة فيها تدعم بالمراجع، وهو لون من الأمانة كان بدأ يتجسد.