وبذل الأسقف في كتابه محاولة ليكون منصفاً. فسلم بمفاسد الكنيسة التي تمرد عليها لوثر، ورأى الكثير مما يستحق الإعجاب في خلق لوثر، ولكنه لم يستطع أن يسيغ الفظاظة المبتهجة التي اختاطت في لوثر بالبسالة الوطنية والتقوى الرجولية. ثم صور ملانكتون بصورة تكاد تكون صورة الحب. غير أنه كان يأمل في تفكيك ولا أتباع هؤلاء المصلحين لهم بإظهار مواطن ضعفهم الشخصي وخلافاتهم اللاهوتية وقد هزأ بالفكرة التي زعمت أن لكل إنسان الحرية في تفسير الكتاب المقدس لنفسه وتأسيس دين جديد على قراءة جديدة له، فكل من خبر الطبيعة البشرية يستطيع أن يتنبأ بأنه لو ترك لهؤلاء الحبل على الغارب لأسفر هذا عن تفتيت المسيحية إلى متاهة من الملل والنحل، وتفتيت الأخلاق إلى فردية لا تستطيع أن يكبح جماح غرائز الغاب فيها سوى الاستكثار من الشرطة استكثاراً لانهاية له. فمن لوثر إلى كلفن إلى سوكينوس-من رفض البابوية، إلى رفض سر القربان إلى رفض المسيح-ثم من التوحيد (رفض التثليث) إلى الإلحاد، تلك هي الدرجات الهابطة شيئاً فشيئاً إلى انحلال الإيمان. ومن الثورة الدينية إلى الثورة الاجتماعية، ومن رسائل لوثر إلى حرب الفلاحين، ومن كلفن إلى كرمويل "المسوين" إلى قتل الملك؛ تلك درجات منزلقة فتحلل النظام الاجتماعي والسلام. ولا يستطيع سوى دين ذي سلطان أن يعطي الوازع للأخلاق، ويمنح الاستقرار للدولة، ويسلح الروح البشرية بالقوة التي تواجه الحيرة وفقد الأحباء والموت.
لقد كان الكتاب حجة قوية، شديدة التأثير بما حوت من ثقافة وبلاغة، محتوية على صفحات لا ضريب لها في نثر ذلك العصر الفرنسي إلا في جدليات بسكال العنيفة و"خواطره" ولولا أن التجاءه للعقل قد أحبطه التجاءه للقوة في فظاعات إلغاء المرسوم نجاحاً أعظم. فقد ظهرت في الدول البروتستنتية عشرات الردود المفندة لحجج الكتاب تشجب بقوة ذلك