"منذ الآن تكونون كلكم شعباً واحداً تحت أسماء شتى ورؤساء مختلفين … فما النوع الإنساني كله غير أسرة واحدة … وكل الشعوب أخوة … وما أتعس القوم الفجار الذين ينشدون المجد القاسي في دماء إخوانهم المسفوكة … إن الحرب ضرورية أحياناً، ولكنها معرة الإنسانية. فلا تزعموا لي أيها الملوك إن على المرء أن يبتغي الحرب إن أراد المجد … فكل من يؤثر مجده على مشاعر الإنسانية ليس إنساناً بل هو وحش تملؤه الكبرياء، ولن يكسب غير المجد الزائف، لأن المجد الحقيقي لا يكون إلا في الاعتدال والصلاح … ويجب ألا يرى الناس فيه رأياً طيباً، لأنه لم يقم لهم وزناً في فكره، وأراق دماءهم في سفه ليرضي غروراً وحشياً (١٢٠) ".
وقد سلم فنيلون بحق الملوك الإلهي، ولكن بوصفه قوة منحتهم إياها العناية الإلهية ليسعدوا الناس، وحقاً تحده القوانين:
"إن السلطة المطلقة تهوي بالرعية جميعاً إلى درك العبودية. فهم يتملقون الطاغية إلى حد العبادة. وكلهم يرتعدون فرقاً لنظرة منه، ولكن ما إن تهب أضعف نسمة من نسمات التمرد عليه حتى ينهار هذا السلطان القبيح نتيجة شططه. ذلك أنه لم يستمد أي قوة من محبة الشعب (١٢١) ".
في هذه الأسطر رأى لويس الرابع عش نفسه موصوفاً، وحروبه مدانة. وبادر أصدقاء فنيلون بالاختفاء من البلاط، وقبض على طابع "تيليماك"، وأبلغت الشرطة بمصادرة جميع نسخه. ولكنه طبعه ثانية في هولندا، وسرعان ما تداولته الأيدي في جميع أرجاء العالم القارئ للفرنسية، وظل أوسع الكتب الفرنسية قراءة وأحبها إلى القراء طوال قرن من الزمان (١٢٢) وأكد فنيلون أن لويس لم يكن في ذهنه في هذه الفقرات الناقدة، ولكن أحداً لم يصدقه. وانقضت سنتان قبل أن يجرؤ دوق برجنديا على الكتابة لمعلمه الأسبق. ثم لانت قناة الملك، وسمح له بأن يزور فنيلون في كامبري.