فرنسا من الاتجاه الأصيل والطبيعي، إلى محاكاة موهنة لفن هلنستي حل به الضعف، محاكاة شوشها إسراف باروكي في الزخرفة؟ وهل تثبت هذه السنوات الأربعون من "طراز لويس الرابع عشر" أن الفن يزداد ازدهاراً في ظل ملكية ترعاه بالثروة المركزة، وتوجه المواهب في وحدة متسقة؟ -أم في ظل أرستقراطية تصون، وتوصل، وتعدل في حذر، معايير الجودة والذوق، وأصول النظام والانضباط؟ -أم في ظل ديمقراطية تفتح الطريق أمام كل موهبة وتطلق الكفايات من ربقة التقاليد، وتلزم الفن بأن يعرض إنتاجه على الشعب ويكفيه وفق رأيه؟ وهل كان ممكناً أن تغدو إيطاليا وفرنسا الوطنين المحظوظين للفن والجمال اليوم لولا أنهما جملتا بأموال وأذواق الكنيسة والنبلاء والملوك؟ وهل كان ممكناً أن يوجد فن عظيم دون تركيز الثروة؟.
إن الجواب المتواضع المفيد عن هذه الأسئلة يقتضي حكمة عالمية، وأي جواب من هذا القبيل لابد أن تجعله التفريقات والشكوك جواباً غامضاً غير حاسم. ولعل الفن فقد شيئاً في طبيعته ومبادرته ونشاطه نتيجةً لما بسطته عليه القوة المركزية من حماية وتوجيه وهيمنة. صحيح أن فن لويس الرابع عشر كان فناً منظماً، أكاديمياً، جليلاً ببهائه المنسق، لا يفوقه فن في صقله الفني، ولكن السلطة عطلت قدرته على الابتكار، وقد قصر دون ذل الالتحام بالشعب الذي أضفى الدفء والعمق على الفن القوطي. لقد كان اتساق الفنون في عهد لويس رائعاً، ولكنه كثيراً ما كان يعزف على نفس الوتر، حتى لقد أصبح في النهاية تعبيراً لا عن جيل وأمة بل عن ذات وبلاط. صحيح إن الثروة لا غنى عنها للفن، ولكن الثروة تكون عاراً، والفن يكون بغيضاً، إذا ازدهرا على حساب فقر شامل واعتقاد بالخرافات مذل، فالجميل لا يمكن فصله طويلاً عن الخبر. وقد تكن الأرستقراطية حارساً وناقلاً مفيداً للعادات والمعايير والأذواق