وفي ١٦٨٨ زار بوجيه باريس، ولكنه وجد طبعه المتكبر وإزميله الغضوب يتنافران مع ظرف البلاط وفنه، فقفل راجعاً إلى مرسيليا، وهناك صمم "الميرة" و"سوق السمك"-ولا عجب ففي فرنسا حتى سوق السمك يمكن أن يكون عملاً فنياً. ولعل أعظم تماثيله قصد به أن يكون تعليقاً على مغامرات الملك الحربية، وهو تمثال للإسكندر راكباً يبدو فيه وسيماً مشرقاً، يحمل خنجره في يده، ويدوس ضحايا الحرب (٢٣) في غير اكتراث تحت سنابك جواده. وقد أفلت بوجيه من رسمية لبرون وفرساي، ولكنه أفلت أيضاً من انضباطهما. وأفضى به طموحه لمنافسة برميني، وحتى ميكل أنجيلو، إلى مبالغات في تصوير عضلات الجسد وتعبيرات الوجه، ومن ذلك "رأس ميدوزا" الرهيب المحفوظ باللوفر. ولكنه كان على الجملة أقوى نحات في وطنه وفي جيله.
وإذ قارب العهد العظيم نهايته، وجرت الهزائم فرنسا إلى حال من اليأس الشديد، انصرفت كبرياء الملك إلى التقوى، وأنتقل الفن من غرور فرساي إلى التواضع الذي يطالعنا في تمثال كواز فوكس لويس الرابع عشر راكعاً في النوتردام-هنا نرى الملك وقد بلغ السابعة والسبعين، مزهواً إلى الآن بأثوابه الملكية، ولكنه يضع تاجه في تواضع عند قدمي العذراء. في هذه السنوات الأخيرة تقلص الإنفاق على فرساي ومالي، ولكن خورس النوتردام رمم وجمل. أما عبادة الفن القديم فقد فترت نتيجة لشططها؛ وبدأ الطبيعي يجور على الكلاسيكي، وقضى على دفعة الفن الوثنية إلغاء مرسوم نانت. وتسلط مدام دمانتنون وتلييه على الملك وشددت الموضوعات الزخرفية الجديدة على الدين لا على المجد، فلقد عرف لويس ربه أخيراً.
إن تاريخ الفن إبان حكم الملك العظيم يعذبنا بأسئلة عويصة. فهل كان تأمين الفنون نعمة أو نقمة؟ وهل حول تأثير كولبير ولبرون والملك تطور