وسط السخافات المتعارضة، ويوائم في غير ضجة بين نفسه وبين نقائص البشر.
ولم يبلغ موليير ذاته ذلك المستوى من الاعتدال. فقد أكرهته مهنته مسرحياً هازلاً على الهجو، وعلى المبالغة أحياناً كثيرة. وقد عنف على النساء المتعلمات، وغلا في هجومه على الأطباء دون تفريق، ولعله كان يخلق به أن يبدي احتراماً أكثر للحقن الشرجية. ولكن الغلو كائن في دم الهجو، وقل أن تبلغ المسرحيات هدفها بدونه، ولعل موليير يكون أجل وأعظم قدراً لو أنه وجد سبيلاً لهجو الشر الأساسي الذي لوث ذلك العهد-ونعني ذلك الجشع الحربي والاستبداد المدمر الذي ابتلي به لويس الرابع عشر؛ ولكن هذا المستبد المنعم هو الذي حماه من أعدائه ويسر له أن يشن الحرب على التعصب. وما أسعده لأنه مات قبل أن يصبح سيده أشد هؤلاء المتعصبين كلهم تدميراً!
إن فرنسا تحب موليير، وما زالت تمثل مسرحياته، كما تحب إنجلترا شكسبير وتمثل مسرحياته، ولا نستطيع كما يريد بعض الغليين (الفرنسيين) المتحمسين أن نسوي بينه وبين شاعر إنجلترا، فلقد كان جزءاً فقط من شكسبير، الذي كان جزاءه الآخران راسين ومونتيني. كذلك لا نستطيع كما يفعل الكثيرون أن نضعه على قمة الأدب الفرنسي. لا بل إننا لسنا على يقين من أن بوالو كان على حق حين قال للويس الرابع عشر إن موليير كان أعظم شعراء عهده، فحين قال بوالو هذا لم يكن راسين قد كتب "فيدر" ولا "آتالي". ولكن في موليير، ليس الكاتب فقط هو الذي ينتمي لتاريخ فرنسا، بل الإنسان: مدير الفرقة المرهق الوفي، والزوج المخدوع الصفوح، والمسرحي الذي يخفي أحزانه بالضحك، والممثل العليل الذي يواصل حتى الموت حربه على الفقر، والتعصب، والخرافة، والنفاق.