وقد قيل إن الحاشية والجمهور أحبوه أكثر ما أحبوه حين يغرق في هذا الفارص، ولم يستطيبوا أهاجيه اللاذعة للمثالب التي يشارك فيها الناس عموماً. وأغلب الظن أنه مفضلاً هذا اللون من الهزلية لولا شعوره بأنه مضطر إلى الحفاظ على قدرة فرقته على الوفاء بديونها.
وكما أسف سكشبير على اضطراره أن يجعل من نفسه مهرجاً للناظرين كتب موليير يقول:"أرى أن من العوبة الفادحة في الفنون الحرة أن يعلن الفنان عن نفسه للحمقى وأن نعرض ثمرات أقلامنا للحكم الهمجي الذي يحكم به على الأغبياء (٤٧) ". وقد حز في نفسه أن يطالب على الدوام بإضحاك الناس، فهذا كما قال أحد شخوصه "مطلب غريب (٤٨) ". وكان يتطلع لكتابة المآسي، ومع أنه قصر دون هذا الهدف، فإنه وفق في أن يضفي على أعظم ملاهيه مغزى وعمقاً مأساويين.
إذن فالفلسفة التي تنطوي عليها تمثيلياته، وفكاهتها وهجوها اللاذع-هذه هي التي تجعل كل قارئ تقريباً يقرأ موليير (٤٩). وهي في صميمها فلسفة عقلانية، أبهجت قلوب "فلاسفة" القرن الثامن عشر. "فليس في موليير أثر لمسيحية الخوارق" و"الدين الذي عرضه لسان حاله كليانت (في طرطوف) يمكن أن يصدق عليه فولتير (٥٠) ". إنه لم يهاجم قط العقيدة المسيحية، وقد سلم بفضل الدين في حياة الكثيرين جداً، واحترم التقوى الصادقة المخلصة، ولكنه احتقر الورع السطحي الذي يخفي أنانية أيام ستة وراء نفاق اليوم السابع (يوم الأحد).
وكانت فلسفته الأخلاقية وثنية بمعنى أنها أباحت اللذة ولم يكن فيها إحساس بالخطيئة. وكان فيها رائحة أبيقور وسنيكا لا القديس بولس أو أوغسطين، وقد انسجمت مع تحلل الملك أكثر من انسجامها مع زهد البور-رويال. وكان يستنكر الغلو حتى في الفضيلة. كان يعجب بـ"الرجل الفاضل"، رجل الدنيا المعقول الذي يسلك باعتدال عاقل