ولا علم لنا بمدى العصر الذي نظم به راسين "أندروماك"؛ على أية حال بلغ فيها أوج قوته المسرحية وأسلوبه الشعري. وهو يذكر في إهدائه المسرحية إلى مدام هنرييتا أنه قرأها عليها، وأنها بكت. ومع ذلك فهي مسرحية رعب لا مسرحية عاطفة، وفيها كل الكارثة المحتومة التي نتوقعها في إسخيلوس أو سوفوكليس. والحبكة شبكة معقدة من العلاقات الغرامية. فأوريست يحب هرميون، التي تحب بيروس، الذي يحب أندروماك، التي تحب هكتور، الذي مات. وقد منح بيروس بن أخيل ثلاث جوائز لما أبلى في انتصار اليونان على طروادة: منح أبيروس مملكة له، وأندروماك (أرملة هكتور) أسيرة له، وهرميون (ابنة منيلاوس وهيلانه) زوجة له. أما أندروماك فلا تزال شابة وجميلة، وإن لم تكف عن البكاء، وهي لا تحيا إلا لتذكر زوجها النبيل، وتخاف على طفلهما أستياناكس، الذي ينقذه راسين-بانحراف مسرحي عن القاعدة-م الموت الذي كان نصيبه في يوريبيديس ليستعمله هنا أداة في يد القدر. ويفد أوريست- بن كلينمنسترا وقاتلها- على إبيروس مبعوثاً من اليونان ليطلب إلى بيروس تسليم استياناكس وموته باعتباره المنتقم المحتمل لطروادة في المستقبل. ويرفض بيروس الاقتراح في فقرة تمتنع موسيقاها على الترجمة. يقول ما معناه:
"إنهم يخشون أن تولد طروادة بهكتور من جديد، وأن ابنه قد ينتزع مني الحياة التي حفظتها عليه. سيدي، إن الإفراط في التدبر يجر إفراطاً في الحذر. إنني لا أستطيع أن أبصر المكاره من هذا البعد الكبير. وأنا أفكر فيما كانت عليه هذه المدينة (طروادة) فيما مضى، جبارة في حضوتها، شديدة الخصوبة في أبطالها، سيدة على آسيا. ثم أتأمل في النهاية ما صارت إليه وما انتهى إليه حظها-فلا أرى غير أبراج غطاها الرماد، ونهر صبغت مياهه الدماء. وحقول هجرت، وطفل مقيد بالأغلال، ولست أظن أن طروادة تقوى على الثأر وهي على هذه الحال. آه، لو كان ابن