أو يوريبيديس: حبكة متينة البناء، وشخوص كشف عنها في عمق، ومشاعر مدروسة في كل تعقيدها وحدتها (١)، وشعر فيه من الروعة والتناغم ما لم تسمعه فرنسا منذ رونسار.
واعترف الناس بأندروماك للتو رائعة من روائع الأدب، فوطدت مقام راسين خليفة لكورنيي وربما متفوقاً عليه. ودخل الآن أسعد عقد في عمره، متنقلاً من نصر إلى نصر، بل متحدياً موليير بملهاة من قلمه. والملهاة، واسمها "المتخاصمون"، وهي تقليد ساخر (برلسك) للمحامين الجشعين، وشهود الزور، والقضاة الفاسدين-هذه الملهاة كانت صدى لتجربة راسين مع القانون. ذلك أنه التمس رهنا على دخل دير وحصل عليه؛ ولكن راهباً نازعه دعواه، وتلا ذلك دعوى قضائية امتد بها الأجل حتى ضاق بها راسين ذرعاً فتخلى عنها وثأر لنفسه بكتابة المسرحية. ولم تسر النظارة في أول عرض لها، ولكن حين مثلت في البلاط ضحك لويس الرابع عشر من قلبه على نكتها ضحكاً جعل الجمهور يغر رأيه، وأدت هذه الملهاة المتوسطة الجودة في ملء جيب راسين.
على أن نغمة صغيرة قطعت هناءه. ذلك أن خليلته دبارك ماتت في ظروف غامضة-سنفصلها في موضع لاحق-في ١١ ديسمبر سنة ١٦٦٨. وبعد أن توقف فترة مناسبة اتخذ ممثلة أخرى تدعى ماري شانمسليه. وكان لها زوج يقظ وصوت ساحر، وتحاشى راسين الأول واستسلم للآخر. واتصل هذا الغرام من برينيس حتى فيدر، وبعد ذلك انتزعها الكونت دكليرمون-تونر من جذورها ( D (racin (e أي من راسين) كما قال أحد الظرفاء.
ومسرحية راسين "بريتانيكوس"(١٦٦٩) في رأيه أكثر أعماله اتقاناً، وكثيراً ما تفضل على اندروماك، شأنها شأن "فيدر" و"اتالي".
(١) انفجر عرق في مونغلوري وهو يمثلها ومات بعد قليل.