على أن القارئ العصري لن يلتذها في أغلب الظن مهما كان غارقاً في تاسيتوس ففيها أجربين السليطة، وبريتانيكوس الشكاء وبوروس المتخبط، ونارسيس القذر، ونيرون الممتلئ شراً-فما من شخص هنا يظهر لنا تعقيداً أو تطوراً، أو يبدي لنا أثراً من نبل خليق بأن يخفف في موضع ما من أي مأساة جديرة بقلم شاعر.
وكما أن بريتانيكوس فتشت عن قصتها في "قاعة الفظائع" التي ذكرها تاسيتوس، فكذلك أخذت برينيس (١٦٧٠) قصة غرام إمبراطور عن سطر موجز لسويتون يقول فيه "فأرسل لتوه كارهاً برينيس الكارهة من المدينة (١٢) " وتفصيل المسرحية أن تيطس الذي كان يحاصر أورشليم (٧٠م) كان قد أغرم بالأميرة اليهودية. ومع أنها تزوجت من قبل ثلاث مرات، إلا أنها تتبعه إلى روما خليلة له، ولكنه حين يرث العرش يدرك أن الإمبراطورية لن تسمح بملكة أجنبية، فيصرفها بعبارات ملكية متدفقة تتميز بالإدراك السليم. وقد حفلت المسرحية بالعاطفة الحارة وحظيت برضاء الجمهور والملك، الذي لابد قد استشف بسرور بلاطه وانتصاراته في وصف برينيس لعظمة الإمبراطور الشاب:
"أرأيت بهاء هذه الليلة؟ ألا تمتلئ عيناك بعظمتها وأبهتها؟ هذه المشاعل، وهذا الحطب، وهذا الليل ذو اللهب المقدس، وهاتيك النسور، وتلك الشعارات، وهذا الجمع من الناس، وهذا الجيش، وذلك الحشد من الملوك، هؤلاء القناصل، وهذا السناتور-أولئك الذين قبسوا نورهم الساطع من حبيبي، وهذا الأرجوان والذهب الذي يزداد تألقاً بمجده، وهذا الغار الذي مازال شاهداً على انتصاره، وهذه العيون التي نراها قادمة من كل فج لتلتقي فيه وحدة نظراتها الملهوفة؛ هذه الطلعة الجليلة، وهذه الحضرة الحلوة. وحق السماء! بأي إجلال وبأي رضى تؤكد له كل القلوب سراً ثقتها به! تكلم: أيستطيع إنسان أن يراه دون أن يخطر له