تبتهج بصحبتها، لأنها كانت تملك كل مفاتن المرأة المثقفة، كانت تتكلم بنفس الحيوية التي تكتب بها، وذلك إطراء يناقض إطراء ألفناه أكثر منه؛ فطالما يسدي إلينا النصح، ربما في غير تبصر، بأن نكتب كما نتكلم.
وقد بق من رسائلها أكثر من ألف وخمسمائة، وجلها موجه لابنتها، فرنسواز مارجريت. التي تزوجت الكونت دجرينيان (١٦٦٩)، وسرعان ما رحلت إلى بروفانس لتعيش معه، وكان نائباً لحاكمها. فظلت الأم من ١٦٧١ إلى ١٦٩٠ تبعث بخطاب مع كل بريد تقريباً-وأحياناً مرتين في اليوم-إلى هذه الزوجة الشابة التي فصلتها عنه أرض فرنسا كلها طولاً. كتبت تقول لها "إن مراسلتي لك هي عافيتي، ولذة حياتي الوحيدة، وكل اعتبار آخر يتضاءل بالقياس إلى هذا (٦٣) ". ذلك أن الحب الذي لم يجد رجلاً يشبعه أصبح غراماً مشبوباً بابنة أحست أنها غير جديرة به، لأن فرانسواز كانت ذات خلق أكثر تحفظاً، ولم تعرف كيف تعرب عن مشاعرها بحرارة. ثم كان لها زوج وأطفال يتطلبون العناية بهم، وكانت أحياناً تصبح ضيقة الخلق أو مكتئبة المزاج، ومع ذلك ظلت طوال خمسة وعشرين سنة، إلا في فترات مرضها، تكتب لأمها مرتين في الأسبوع، لا يفوتها بريد إلا نادراً، حتى لقد أقلق الأم المتينة بها أن تكون قد جارت على وقت ابنتها.
وأبلغ ما في هذه الرسائل تأثيراً على النفس ما روى حياة طفلة مدام جربنيان البكر ونهاية هذه الحياة في الدبر. ذلك أنها قدمت باريس لتلد في كنف أمها. وما لبثت أن أرسلت إلى زوجها اعتذاراً لأنها ولدت بنتاً-لابد من تربيتها بجهد أليم، ومهرها بمهر غالٍ، ثم فقدها؛ ولما عادت فرنسواز إلى بروفانس تركت ماري بلانش الصغيرة حيناً مع جدتها التي افتتنت بها. وكتبت مدام دسفنييه للأب تقول "إن كنت تريد ولداً فاعكف على صنعه (٦٤) " كتبت للوالدين اللذين لم يقدرا طفلتهما تفاصيل نشوانة عن العجيبة التي أنجباها كارهين: