فيها أنه انقلب وكاد عنقه يدق، لأنني اعتقد أنه الشخص الوحيد الذي لم يسمع بالحادث في باريس (٧٠)".
وهذه الرسائل في مجموعها تؤلف صورة من أكثر الصور كشفاً في الدب، لأن المركيزة تسجل فيها أخطاءها وفضائلها دون تحفظ. فهي الأم المحبة، التي تجد نفسها على سجيتها سواء في صالونات العاصمة أو في حقول بريتني، وهي تكتب لابنتها عن أتفه أحاديث الأرستقراطية وقيلها وقالها، ولكنها تقول أيضاً "إن البلبل، والوقواق، والهزاز-كلها بدأت تصدح في ربيع الغابات"، وندر أن تفوه بكلمة سوء عن مئات الأشخاص الذي يرفون خلال صفحاتها الألفين، وهي على الدوام مستعدة لمديد المعونة للمكروبين، مجملة حديثها بالرقيق من التحية والمجاملة، مذنبة بين الحين والحين بالمرح القاسي (كضحكها على شنق بعض المتمردين المساكين في برتني)، ولكنها مرهفة الإحساس بآلام الفقراء، وهي تغضي عن فساد زمانها وطبقتها، ولكنها بلا لوم في سيرتها الشخصية؛ إنها روح تفيض بالنية الطيبة وحب الحياة، فيها من التواضع ما يمنعها من نشر كتاب، ولكنها تكتب أفضل فرنسية في عصر أفضل فرنسية كتبت على الإطلاق.
ترى هل خطر ببالها أن رسائلها قد تنشر في يوم ما؟ كانت أحياناً تسترسل في تحليقات من البلاغة كأنها تشم مداد المطابع، غير أن رسائلها حافلة بتفاصيل العمل، وبالمصارحات العاطفية، والمكاشفات المحرجة التي لا يمكن أن تكون قصدت على القراء. كانت تعلم أن ابنتها تطلع أصدقاءها على رسائلها، ولكن مثل هذه المشاركة كانت كثيرة في تلك الأيام، حين كادت المراسلة أن تكون وسيلة الاتصال الوحيدة بين المسافات الطويلة، وقد ورثت وحفظت الرسائل حفيدتها بولين، التي منعتها من أن تدخل ديراً كما فعلت شقيقتها بلانش ماري، ولكنها لم تنشر إلا عام ١٧٢٦، بعد موت المركيزة بثلاثين عاماً. وهي اليوم من أغلى عيون الأدب الفرنسي، وكأنها باقة زهر غنية يزداد عبيرها انتشاراً على الأيام.