للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوسيط، وأما حرية الطباعة والنشر فلم يكد أحد يحلم بها، وحرية الكلام كانت مغامرة سرية وسط رقابة شاملة. لقد كان في عهد ريشليو من المبادرة والجرأة ومن مولد العبقرية قسط أكبر مما كان في عهد الملك العظيم. إن العصر لم يكن له ضريب في الرعاية الملكية للأدب والفن، وفي خضوعهما البليغ للملك. وقد بلغ الفن والأدب كلاهما العظمة والجلال كما يشهد بذلك صف أعمدة اللوفر ومسرحية اندروماك، ولكنهما انحدرا أحياناً إلى المبلغة في الفخامة والأبهة كما نرى في قصر فيرساي أو في بلاغة كورنبي في آخر إنتاجه. وكان يشوب المأساة والفنون الكبرى في هذا العهد بعض التكلف والافتعال، فقد أفرطا في الإتكاء على النماذج اليونانية أو الرومانية أو نماذج النهضة. واتخذا موضوعاتهما من عصر قديم دخيل لا من تاريخ فرنسا ودينها وطابعهما، وعبرا عن التعليم الكلاسيكي الذي حظيت به طبقة خاصة لا عن حياة الشعب وروحه. ومن ثم نجد موليير ولافونتين العاميين يفيضان اليوم حياة وسط هذا الحشد المزوق، لأنهما نسيا اليونان والرومان وتذكرا فرنسا. صحيح أن العصر الكلاسيكي نقى اللغة، وصقل الأدب، وهذب الحديث، وعلم العاطفة المشوبة أن تفكر، ولكنه إلى ذلك فرض على الشعر الفرنسي (والإنجليزي) برودة امتدت قرابة قرن بعد هذا العهد العظيم.

ومع ذلك كان عهداً عظيماً. فلم يشهد التاريخ من قبل حاكماً سخا مثل هذا السخاء على العلوم والآداب والفنون. لقد اضطهد لويس الرابع عشر الجانسنيين والهيجونوت، ولكن في عهده كتب بسكال، ووعظ بوسويه، وعلم فينيلون، ولقد جند الفن ليخدم به مآربه ومجده، ولكن هذا الفن منح فرنسا بفضل تشجيعه روائع في العمارة والنحت والتصوير. ولقد حمى موليير من جيش من الخصوم، وآزر راسين من مأساة إلى مأساة. ولم تكتب فرنسا من قبل مسرحية أفضل، ولا رسائل أفضل، ولا نثراً أفضل، مما كتبت في عهده. وقد أعانت عادات الملك المهذبة، وضبطه