وأما جرائم الافتئات والاعتداء فهي قديمة قدم الجشع؛ فتقاتل الناس على الطعام والأرض والمرأة قد روى الأرض بدماء البشر، ولم ينج من ذلك جيل واحد من الأجيال وغشى نور المدنية الواهن المتقطع ببطانة من ظلام؛ كان الإنسان البدائي قاسياً إذ كان حتماً عليه أن يكون كذلك؛ فقد علمته الحياة أن تكون ذراعه على استعداد للضرب دائماً، وأن يكون له قلب يستسيغ " القتل الطبيعي " وأسْوَدُ الصحائف التي تصادفكَ وأنت تقرأ علم الأجناس البشرية، هي تلك التي تروي لك عن التعذيب الذي يسود الحياة البدائية، وعن الفرح الذي ينتشي به كثير من البدائيين رجالا ونساء - فيما يظهر - إذا ما أنزلوا بأحد ألما، وكثير من هذه القسوة كان من لوازم الحرب، ففي حدود القبيلة الواحدة، تجد أساليب التعامل أقل وحشية، فيعامل بعضهم بعضا - بل يعاملون عبيدهم - برقة لا تقل في شيء عما تعهده المدنية في ذلك لكن لما كان الناس مضطرين اضطراراً أن يقتلوا أبان القتال، فقد علمهم هذا أن يقتلوا كذلك أيام السلم؛ وكممن البدائيين لا يرون وسيلة لفظ النزاع إلا إن مات أحد المتنازعين؛ وكثير من القبائل لا يرتاع أبناؤها إذا أغتال إنسان إنساناً - حتى إن كان القتيل من أبناء العشيرة نفسها - بمثل الجزع الذيكنا نحن المحدثين نقابله به؛ فأهل "فويجي" Fuegians لا يعاقبون القاتل بأكثر من نفيه حتى ينسى زملاؤه جريمته؛ وقبائل الكفير تعد القاتل نجساً، ويطالبونه بتسويد وجهه بالفحم، ولكنه بعدئذ أن غسل جسده ومضمض فمه وصبغ جلده بلون بني قبلوه في الجماعة من جديد، وأما همج "فوتونا" Futuna فهم - مثلنا - يعدون القاتل بطلا؛ وفي بعض القبائل ترفض المرأة أن تتزوج من رجل لم يقتل أحدا في قتال، سواء في ذلك أكان القتال سليم الأساس أم فاسدة؛ ومن هنا نشأت عادة اصطياد الرءوس التي لا تزال باقية في الفلبين حتى اليوم؛ وعند قبيلة "دياك" Dyak يكون للرجل الذي يعود من مثل هذا الصيد البشري بأكبر عدد من الرءوس،