المتحدة، ولما خشي لوك وكولنز وبيل الاضطهاد في إنجلترا أو فرنسا، وجدوا الملاذ في هولندا؛ ولما حرم مجمع أمستردام البرتغالي (اليهودي) سبينوزا، رحب به العلماء الهولنديون وقدموا له العون، ورتب له جان دي ويت معاشاً. وأصبحت هولندا الصغيرة "مدرسة أوربا (١٥) "في التجارة والمال والعلم والفلسفة.
ولولا ما أتيح لهذه الحضارة من حرية دينية، ومن علم وأدب وفن، لأصبحت حضارة مادية إلى حد محزن. وسنلتقي في فصل لاحق بهويجنس وغيره من العلماء الهولنديين. وكان هناك شعراء ومسرحيون ومؤرخون هولنديون، ولكن لغتهم حدت من شهرتهم. وقد حلفت المدن الهولندية بالكتب والناشرين. وبينما لم يكن في إنجلترا سوى مركزين اثنين للنشر هما لندن وأكسفورد، وفي فرنسا باريس وليون، وكان في الأقاليم المتحدة مركزاً في أمستردام وروتردام وليدن وأوترخت ولاهاي، تطبع الكتب باللاتينية واليونانية والألمانية والإنجليزية والفرنسية والعبرية كما تطبعها بالهولندية. وكانت أمستردام وحدها تملك أربعمائة دار تطبع الكتب وتنشرها وتبيعها (١٦).
ونافس الولع بالفن الغرام بالمال والمساومة على الخلاص الأبدي. وخلع ساكنو المدن الهولنديون، الذين عروا كنائسهم البروتستنتية من الزخرف، خلعوا 'لى نسائهم وبيوتهم الزينة انتزعوها من بيوت الرب. فاسترضوا زوجاتهم بالمخمل والحرير والجواهر، ونشروا على موائدهم صحاف الذهب والفضة، وزينوا بالنسيج المرسوم، ورفوفهم أو صواوينهم بالخزف أو الزجاج المحفور. وفي ديلفت كان الخزافون الهولنديون بعد عام ١٦٥٠، الذين استوحوا الخزف الصيني والياباني، يصنعون فخاراً مزججاً، أكثره أزرق على قاعدة بيضاء، أضفى الجمال المشرق على بيوت كانت من قبل عارية عرى التزمت الصارم. وقل أن وجدت أسرة هولندية لم تملك على الأقل واحدة من تلك الصور