أما ستين فكان ابن صانع جعة في ليدن؛ واشتغل في لاهاي، وديلفت، وهارلم، وأصبح آخر المطاف صاحب حانة في ليدن، وخلال هذه الفترات استطاع أن يجعل من نفسه أفضل مصور للأشخاص في الفن الهولندي باستثناء رمبرانت. وحين بلغ الثالثة والعشرين (١٦٤٩) تزوج مارجريت ابنة المصور جان فان جوين؛ ولم تملك من المهر غير وجهها وقوامها، ولكنها أفاده بعض الوقت نموذجين ملهمين. وكان ينقد أجراً حقيراً على صوره حتى أن صيدلياً حجز (١٦٧٠) على كل الصور التي استطاع أن يجدها في بيت ستين وباعها في المزاد وفاء لدين قدره عشرة جولدينات. وصوره الأولى تسجل لذات السكر أو عقوباته. وصورته "الحياة المنحلة (١٧) "، وهي مثال ممتاز من صوره، فيها امرأة نعسانة وأخرى نائمة من الشراب، وطفل ينتهز الفرصة فيسرق من صوان، وكلب يأكل من المائدة، وراهبة تنطلق بعد دخولها الحانة في عظة عن خطيئة شرب الروم، وكل شيء في الصورة مكون ومرسوم بنظام الفن وانسجامه رغم أنه يصور الفوضى. وموضوع أجمل من هذا يبعث الحياة في صورة أخرى أسيئت تسميتها بـ"معرض الوحوش (١٨) "، يرى فيها فتاة صغيرة تطعم حملاً باللبن، ودجاج الحديقة يثب هنا وهناك، وطاووس يدلي ذيله من شجرة ذابلة، والحمام يحط في أعلاها، ويمامة تحلق قادمة من الطريق. هذا كله لحن رعوي يجعل جميع معضلات الفلسفة تبدو تافهة لا معنى لها. أنه الحياة، وكل جزء له مبرره الكافي الذي يتجاهل المطلقات. وبعد أن تجاوز ستين فترة الحانة رسم مشاهد مشرقة للحضارة الهولندية: باطن بيوت مبهجة، ودروس موسيقى، وحفلات موسيقى، ومهرجانات، وأسر سعيدة، وفنان نفسه، يدخن في "الصحبة المرحة (١٩) "، أو يعزف على العود (٢٠). فلما فتت في عضده الأجور البخسة التي نقدها على عمله، عاد إلى بيع الجعة، وراح يشرب لينسى، ثم مات في الثالثة والخمسين مخلفاً أربعمائة صورة بائرة.