وفي القرية اشتغل صبياً لوالده الذي لقنه تعليماً شفوياً بطريقة السؤال والجواب في أمسيات أيام الأحد. وعن أولاد المدينة تعلم الكذب والتجديف في الدين. وهو يؤكد لنا "أنه لم يضارعه إلا القليل في هذه الأفانين"(٥). وأكثر من هذا أنه أدين بالرقص وممارسة الألعاب وتناول قدح من الجعة في إحدى الحانات. وكلها أمور يحاسب عليها البيوريتانيون الذين لم يكونوا قد استولوا بعد على مقاليد الأمور، في سني شبابه (١٦٢٨ - ١٦٤٨). وهو يقول عن نفسه "كنت أتزعم أعمال الرذيلة والشر والفسوق (٦) " ومثل هذه الاعترافات بالخطايا الجسيمة كانت أمراً شائعاً مألوفاً بين البيوريتانيين، حيث عملوا على جذب أشد الانتباه إلى إصلاحهم الديني، وأظهروا قدرة الله على أن يهبهم نعمة الخلاص. ولما انتشرت التعاليم البيوريتانية من حوله، أغض مضجعه وحد من نزعة الشر عنده، تفكيره في الموت وفي يوم الحساب وفي الجحيم. ورأى مرة فيما يرى النائم أن السماء كلها فوقه تضطرم بالنيران وأن الأرض نحته تزلزلت، فنهض من نومه مذعوراً، وأزعج الأسرة بصرخاته:"يا إلهي، أسألك الرحمة بي، وقعت الواقعة، ولم أعد نفسي ليوم الحساب (٧) ".
وفي سن السادسة عشرة سيق إلى جيش البرلمان حيث خدم لمدة ثلاثين شهراً في الحرب الأهلية. وهو يقول عن فترة الجندية "لم أكف عن الخطيئة والإثم، وأزداد تمردي على الله، وعدم اكتراثي بالخلاص (٨) ". وبعد تسريحه من الجيش تزوج من فتاة يتيمة (١٦٤٨) كان كل صداقها اثنين من الكتب الدينية، وذكرياتها التي لا تفتأ ترددها عن تقى أبيها وورعه. ومذ خلف جون أباه في الحانوت، فأنه استطاع أن يعولها "بالسمكرة". وازدهرت أحواله، وتردد على الكنيسة بانتظام، وتخلى عن نزوات شبابه شيئاً فشيئاً. وكان يقرأ الكتاب كل يوم تقريباً، حتى صارت لغته الإنجليزية البسيطة هي لغة بنيان نفسه. وتحدثت قرية الستو عنه على أنه مواطن نموذجي.